إذن هذا القول الذي ذهبت إليه بعيد، ثم أنت لست في حاجة إلى تكلفه لأن الأخذ بالقولين السابقين لا يمنع من الوصول إلى النتيجة التي كتبت بحثك من أجلها.

وأما قولك: "وأما ثانياً فإن لفظة (الكتاب) مجردة من القيود كما هي هنا لم ترد في كتاب الله تعالى إلا وصفا للقرآن الكريم. وهي عادته، فلماذا تتحول هذه العادة في هذا المكان بالذات"

فإذا كنت فهمت قصدك بقولك " مجردة من القيود" فهذا غير صحيح فقد ورد الكتاب في أكثر من آية ويراد به غير القرآن ومن ذلك قول الله تعالى:

(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) سورة البقرة (44) وهذا قطعاً لم يكن القرآن.

وقوله تعالى:

(وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) سورة البقرة (78) وهذا أيضاً ليس هو القرآن.

ومثله أيضاً قوله تعالى:

(أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) سورة البقرة من الآية (85) والأمثلة على ذلك كثيرة.

وأما قولك:

"وأي معنى يوجبه ذكر (الكتاب) بالإظهار دون الإضمار إذا كان المراد به التوراة، وقد سبق ذكره في آية ماضية فلماذا لم يقل (وقضينا إلى بني إسرائيل فيه) على اعتبار أنه مذكور سابقاً؟

فأقول: الاضمار لا يصلح لوجود الفاصل وهو قول الله تعالى (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) ثم إن النظم يصبح ركيكاً وهو ظاهر كما ترى.

وأيضا الاتيان بالإظهار دون الإضمار مشعر بخطورة الأمر وأنه مقصود لذاته وفيه تأكيد إلى أن هذا الأمر قد بلغهم وهم على يقين منه حيث قد جاء في كتابهم هم لا في كتاب غيرهم وهو أبلغ في إقامة الحجة وقطع العذر.

وأما قولك:

"وأما المعنيون بهذا الإعلام فهم بنو إسرائيل، وقد ذهبت جمهرة من المفسرين إلى أن المراد بهم بنو إسرائيل في زمان موسى عليه السلام ومن يأتي بعدهم، بناء على أن المراد بالكتاب في هذه الآية هو اللوح المحفوظ أو التوراة، وسيأتي بعد قليل ما في هذا التفسير من المؤاخذات، والذي يظهر لي أن هذا التفسير ليس صحيحاً، ولا ينبغي له أن يكون، لأن هذه الآيات لا تتحدث عن تاريخ بني إسرائيل القديم، إذ لا يتعلق به غرض للسامعين في ذلك الوقت، وماذا عسى أن يستفيد المسلمون في زمان النبوة من هذه المعلومة إذا كانت محض تاريخ لا علاقة لهم به، وسيأتي بيان هذا، وقد جوز الشوكاني هذا القول على ضعف."

فأقول: إن جزمك قائلاً " أن هذا التفسير ليس صحيحاً، ولا ينبغي له أن يكون" وتعليلك لهذا الجزم فيه نظر، فكيف لا يتعلق به غرض للسامعين في ذلك الوقت وهي بشارة واضحة الدلالة على ظهور نبينا صلى الله عليه وسلم وظهور الإسلام على غيره من الملل والنحل، وهذا مثله مثل البشائر الواردة في أول سورة القصص في قوله تعالى:

(نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6))

فهذه الآيات من أعظم البشائر بظهور نبينا صلى الله عليه وسلم ومن كان معه من المستضعفين في الأرض.

إذا هذه الآيات من سورة الإسراءكانت تحمل في طياتها بشائر عظيمة للمؤمنين وهو ما وقع فعلاً من ظهور الرسول صلى الله عليه وسلم على بني اسرائيل في المدينة وخيبر وأبعد من ذلك فتح بيت المقدس.

وأما قولك:

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015