وبعد سرد هذه الأقوال يتبين لكل ذي لب صحة ما قاله الشيخ السعدي في تفسير الآية وما نقله من الاتفاق على أن القوم المسلطين عليهم قوم كفار، وبها يظهر جليا خطأ ما ذهب إليه الشيخ صالح المغامسي مقلدا فيه الأستاذ محمد متولي الشعراوي. والله أعلم.

تتمة: وأثناء اطلاعي على ما ذكره الشيخ محمد متولي الشعراوي لفت نظري أنه يربط هذه الآية بآية أخرى في سورة الإسراء وهي قوله تعالى (وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا) [الإسراء/104] حيث يقول: "قوله تعالى: {فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخرة جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً} والمراد بوَعْد الآخرة: هو الإفساد الثاني لبني إسرائيل ... وهذه الإفسادة هي ما نحن بصدده الآن، حيث سيتجمع اليهود في وطن واحد ليتحقق وَعْد الله بالقضاء عليهم، وهل يستطيع المسلمون أن ينقضُّوا على اليهود وهم في شتيت الأرض؟ لا بُدَّ أن الحق سبحانه أوحى إليهم بفكرة التجمُّع في وطن قومي لهم كما يقولون، حتى إذا أراد أَخْذهم لم يُفلتوا، ويأخذهم أخْذ عزيز مقتدر. وهذا هو المراد من قوله تعالى: {جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً} أي: مجتمعين بعضكم إلى بعض من شَتّى البلاد، وهو ما يحدث الآن على أرض فلسطين". تفسير الشعراوي - (ج 1 / ص 5334). ورأيت في شبكة الانترنت للشيخ المغامسي ما يوافق هذا الكلام، فظهر لي بهذا أن الشيخ صالح المغامسي يستفيد كثيرا من الأستاذ محمد متولي الشعراوي.

وعندما قرأت هذا التفسير استغربت أشد الاستغراب من هذا التفسير ومن هذه الجرأة على حمل الآية على الواقع المعاصر بالجزم واليقين، وكأن هذا التفسير قد ثبت بالنص الصحيح الصريح!!!

وبعد تتبع أقوال الأئمة في الآية وجدتهم يفسرون الآية بما هو ظاهر ومتبادر إلى الذهن من أن المراد بالآخرة الساعة ويوم القيامة وهؤلاء هم الأكثر، وفسّرها بعضهم بنزول عيسى عليه السلام، وأذكر للقارئ الكريم طرفا من أقوالهم:

1 - يقول الطبري: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا) يقول: "فإذا جاءت الساعة، وهي وعد الآخرة، جئنا بكم لفيفا: يقول: حشرناكم من قبوركم إلى موقف القيامة لفيفا: أي مختلطين قد التفّ بعضكم على بعض، لا تتعارفون، ولا ينحاز أحد منكم إلى قبيلته وحيِّه". تفسير الطبري - (ج 17 / ص 572).

2 - ويقول القرطبي: "فإذا جاء وعد الآخرة (أي القيامة) جئنا بكم لفيفا (أي من قبوركم مختلطين من كل موضع قد اختلط المؤمن بالكافر لا يتعارفون ولا ينحاز أحد منكم إلى قبيلته وحيه". الجامع لأحكام القرآن - (ج 10 / ص 338).

3 - وقال ابن الجوزي: "قوله تعالى: فاذا جاء وعد الآخرة يعني القيامة جئنا بكم لفيفا أي جميعا قاله ابن عباس ومجاهد وابن قتيبة". زاد المسير - (ج 5 / ص 95).

4 - ويقول الألوسي: " {فَإِذَا جَاء وَعْدُ الاخرة} أي الكرة أو الحياة أو الساعة أو الدار الآخرة، والمراد على جميع ذلك قيام الساعة {جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} أي مختلطين أنتم وهم ثم نحكم بينكم ونميز سعداءكم من أشقيائكم". تفسير الألوسي - (ج 11 / ص 123).

5 - ويقول ابن عاشور: "ووعد الآخرة ما وعد الله به الخلائق على ألسنة الرسل من البعث والحشر. واللفيف: الجماعات المختلطون من أصناف شتى، والمعنى: حكمنا بينهم في الدنيا بغرق الكفرة وتمليك المؤمنين، وسنحكم بينهم يوم القيامة". التحرير والتنوير ـ الطبعة التونسية - (ج 15 / ص 229).

6 - وفي التفسير الميسر: "وقلنا من بعد هلاك فرعون وجنده لبني إسرائيل: اسكنوا أرض "الشام"، فإذا جاء يوم القيامة جئنا بكم جميعًا مِن قبوركم إلى موقف الحساب". التفسير الميسر - (ج 5 / ص 98).

فهذه خلاصة ما ذكره الأئمة في معنى (وعد الآخرة) ولم يشر أحد منهم إلى علاقة الآية بإفساد بني إسرائيل كما ترى والله أعلم.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015