2 - لم يقتل مسيلمة لأنه تجرأ و تحدى القرآن؛ بل لأنه قاد حربا كبيرة شعواء ضد المسلمين في اليمامة وقتل من الأنصار فقط يوم اليمامة سبعون، وقد كان قرآن مسيلمة يضحك به أطفال المسلمين؛ فهو ليس بذي قيمة يقتل لأجلها إن كان يقتل من يعارض القرآن؛ بل إن من مصلحة القرآن أن يبقى مسيلمة؛ هذا المهرج؛ حيا حتى يتضح للناس الفرق الواضح الجلي بين هذيانه والبلاغة القرآنية عالية المستوى

3 - أما قولهم (أن مسيلمة قد تحدى محمداً بكتابات مثيلة للقرآن) فهل قوله:

ألم تر كيف فعل ربك بالحبلى

أخرج منها نسمة تسعى

من بين صفاق وحشا

إن الله خلق النساء أفواجاً

وجعل الرجال لهنّ أزواجاً

مثل القرآن؟ إن كانت الإجابة بنعم فلست بقادر على تركيب الذوق البلاغي لمن عدمه، ولا يكون حالي وحاله حينئذ إلا كمن يصف لونا لرجل ولد أعمى.

الإعجاز الكتابي المزعوم:

لما فشلت مجاراة النصارى للقرآن ثم نفيه ثم ادعاء صرف الناس عن مجاراته بالتهديد والقتل من قبل المسلمين ـ ادعوا وجهاً جديداً للإعجاز لا يميز القرآن عن كتبهم لإثبات أنه ليس فيه من جديد؛ وهو إعجاز الكتابة فذهبوا إلى أن المصدر التاريخي لأسطورة التميز القرآني تكمن في أن قريشا تدعي بأن محمدا ساحر أو مجنون أو كاهن أو شاعر مما يقود- في زعمهم- إلى أن مصدر هذه الفكرة لم يكن في أن محمدا أتي ببلاغة لم يقاومها العرب، بل لأنه قام بأول محاولة مقننة لرسم كلمات اللغة العربية والتي كانت شفاهية قبل ذلك، وكان هذا إعجازه على مقياس قبائل لم تنل حظها بعد على سلم الحضارة، لكنه لا يرقي كمقياس أمام شعوب عرفت الكتابة و رسم الكلمات قبل محمد بآلاف السنين كمصر بلغتها القبطية أو الشام بلغتها السريانية أو فارس بلغتها الفارسية، وهذا هو الفارق بين عرب الحجاز المسحورين برسومات محمد القرآنية، وبين شعوب أكثر تقدما على سلم الحضارة و التي لم تر ما يبهر في محاولات محمد الكتابية، وهذا الفارق قد خلق نوعا من الفجوة، حاول مسلمو الأعراب- حسب قولهم الركيك- سدها بعد ذلك باختراع المزيد من بدائل الإعجاز، مثل الإعجاز البلاغي أو اللغوي أو غيرها، والتي كان من السهل أن تمر دون مراجعة أو تمحيص بين شعوب لا تعرف اللغة العربية، ولا تعرف بالتحديد ماهية الفصاحة العربية؛ فتحولت معجزة محمد الكتابية في رسم الكلمات لعرب الحجاز إلى معجزة بلاغية في فصاحة اللغة لمن يجهلون اللغة العربية من أساسها. والفكرة الأساسية أن معجزة محمد لم تكن بلاغة اللغة أو حسن السجع أو دقة قواعد النحو، بل كانت هي الكتابة أو رسم الحروف العربية، أو بمعنى آخر في أن يأتي للعرب بنص (مكتوب) ليكونوا مثل أهل (الكتاب)، هذا هو ما جعله كالسحرة و الشعراء و الكهان في عرف المشركين من قريش

والحق أننا لم نسمع أحدا عبر التأريخ قد ادعى أن هنالك وجها من الإعجاز يسمى بالإعجاز الكتابي وهذه الفكرة المضحكة لو علم هولاء النصارى فساد مؤداها لاستحوا منها، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أميا، ولكن كما ثبت فإن في العرب كتّاب كثيرون وإن كانت الأغلبية أمية؛ فلماذا لا يدعي أحد هولاء الكتّاب هذه المعجزة الكتابية بينما يدعيها هذا الأمي الذي لا يكتب أصلا؛ فهذه دعوى بعيدة جدا لا يمكن أن تخدم الغرض الذي هو الطعن في الإعجاز؛ بل إن من له أدنى معرفة بهذه الأمور سوف يسخر منها مر السخرية.أما قولهم "بنص (مكتوب) ليكونوا مثل أهل (الكتاب) " ففيه خلط شديد؛ فالله تعالى قد قال: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ) فهل نزله مكتوبا؟ فإذا كان الكتاب قد أنزل مكتوبا فما معنى قوله: (وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ) ولماذا قال في قرطاس والكتاب لا يكون – عند هولاء - إلا في قرطاس (ورق)؟ ولكن الحق أن هذه الآية إخبار من الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم عن هؤلاء القوم الذين هم لعنادهم وبعدهم من الرشد لو أنزلت عليك يا محمد الوحي في قرطاس (ورق) يعاينونه ويمسونه بأيديهم وينظرون إليه لقالوا ما هذا الذي جئتنا به إلا سحر سحرت به أعيننا ليست له حقيقة ولا صحة.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015