والحق الواضح الذي لا لبس فيه أن كل العرب الفصحاء الذين نزل فيهم القرآن قد علموا بصورة واضحة مقنعة أن القرآن من عند الله؛ وقد استوى في ذلك مؤمنهم وكافرهم؛ قال تعالى: (فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ) وليس الأمر قاصرا على العرب القدماء ولا على العرب المعاصرين، بل ربما تعدى الأمر إلى غير العرب الناطقين بلغة الضاد؛ وذلك بشهادتهم؛ يقول جفري لانغ: (على الرغم من أن القرآن بالتأكيد هو أشد تأثيرا على القارئ في اللغة الأصلية (العربية) من الترجمات ... وعلى الرغم من أن جميع معتنقي الإسلام الغربيين مجبرون على الاعتماد على التفسير للقرآن، إلا أني واثق من أن جميع هؤلاء قادرون على التمييز والانتباه إلى أن أكثر ما يثير الإعجاب بالقرآن هو أسلوبه الأدبي؛ لأنه يغرس في قارئه ذلك الشعور اللاملموس من أنه صادر عن وحي سماوي)

ولما لم يثبت في التاريخ أن أحداً استطاع مجاراة القرآن في تميزه فإن ذلك لم يشكل دليلاً على تفوق القرآن عند هولاء النصارى رغم ظهوره؛ إذ ذهبوا إلى أن العنف والتهديد بل والقتل هو مصير من يحاول هذه المجاراة؛ إذ أن النضر بن الحارث ـ حسب قولهم ـ كان يضع نصوصا تشبه ما وضعه محمد ولكن من أساطير الفرس، وكان يقول: (سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ)، فهاجمه محمد في القرآن – كما زعموا - متهما إياه أنه يضل الناس بلهو الحديث في سورة لقمان، ولم يكتف محمد بهذا، فكان له بالمرصاد ولم تقبل منه الفدية يوم بدر؛ فقتل على يد على بن أبي طالب. أما مسيلمة المدعو بالكذاب شاعر اليمامة ـ حسب قول هولاء النصارى ـ فقد تحدى محمداً بكتابات مثيلة للقرآن وجعل يسجع لهم الأساجيع ويقول لهم فيما يقول مضاهاة للقرآن " لقد أنعم الله على الحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من بين صفاق وحشى "، وكان مصيره هو القتل على يد وحشي أثناء حروب الردة لأنه تجرأ و تحدى القرآن، وقد جاء ذكره في القرآن في سورة الأنعام.إذن لم يكن التحدي مسابقة مفتوحة لمن يريد مجاراة محمد في السجع، بل كانت مسابقة مشروطة بشروط موضوعة مسبقا و نتيجتها محسومة من قبل على حد السيف، ولكن الأسطورة التي مازال يحيا فيها المسلم حتى اليوم ـ كما ادعوا ـ تؤكد أنه لم يوجد من يتحدى، وهذا افتراض يحمل جزءا من الحقيقة فكل من تحدى اختفى من سجل الأحياء أو تم إخراسه، فكانت النتيجة النهائية إعلان الفائز: وهو القرآن (1).

والحق أن هذا قول ظاهر البطلان، وهنالك نظرية شاذة لإبراهيم بن سيار النظام في دراسة الإعجاز تسمى بـ (الصرفة) تزعم أن الله تعالى قد صرف الناس جبراً وتعجيزاً عن الإتيان بمثل أسلوب القرآن بلاغة ونظماً، وقد ووجهت هذه النظرية بهجوم شديد من كل علماء الإسلام؛ لأنها توجب تدخل الإرادة الإلهية المباشر في صرف الناس عن مجاراة القرآن؛ وإذا تم الاعتراض على زعم التحكم الإلهي فما بالك إذن بالتحكم المحمدي الذي هو أمر بعيد كل البعد. ثم إن القائل: (أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ) مسيلمة الكذاب لا النضر بن الحارث، وذكر أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال رأيت فيما يرى النائم كأن في يدي سوارين من ذهب فكبرا علي وأهماني فأوحي إلي أن انفخهما فنفختهما فطارا فأولتهما في منامي الكذابين اللذين أنا بينهما كذاب اليمامة مسيلمة وكذاب صنعاء العنسي وكان يقال له الأسود ولهذا فإن هذه الدعوى تبطلها أمور كثيرة منها الآتي:

1/ لم يثبت أن النضر بن الحارث قد عارض القرآن؛ بل يذكر أنه نزل فيه قوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا) لأنه اشترى كتب الأعاجم رستم واسفنديار؛ فكان يجلس بمكة فإذا قالت قريش إن محمدا قال كذا ضحك منه وحدثهم بأحاديث ملوك الفرس، وكان يقول: حديثي هذا أحسن من حديث محمد، وقيل كان يشتري المغنيات فلا يظفر بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينته فيقول أطعميه واسقيه وغنيه؛ ويقول: هذا خير مما يدعوك إليه محمد من الصلاة والصيام وأن تقاتل بين يديه

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015