ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[17 Feb 2009, 02:01 م]ـ

هذا العمل ليس عملاً جديداً ولا جزئية فردية؛ وإنما هو عمل منهجي متكامل؛ وهذا العمل المنهجي له فصوله وجزئياته، وما هذه العملية إلا إحدى هذه الجزئيات فحسب.

وهذا العمل المنهجي لدى النصارى هو محاولة إثبات أن القرآن غير متميز عن كتبهم إطلاقا، ولهذا حاولوا ضرب كل وجوه الإعجاز فيه؛ ولهذا قال البابا بيندكت السادس عشر في محاضرته الشهيرة - ناقلاً عن الإمبراطور البيزنطي إمانويل الثاني باليولوغوس –ما الجديد الذي جاء به محمد؟!.

والحق أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد أعطي القرآن وكفى به أمراً جديداً متميزاً، ولأجل ذلك فإنه صلى الله عليه وسلم قد أوتي من الأدلة المقنعة ما لم يؤت غيره من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين؛ والقرآن ليس كمثله دليل آخر؛ قال تعالى: (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ) فالقرآن ظاهر التميّز ولا يخفى ذلك على أحد، ولا يقتصر هذا التميّز على وجه دون وجه؛ بل هو أمر ينتظم القرآن في كل الجوانب

وقد أدرك النصارى هذا التميّز الشديد الوضوح؛ فعلموا أنه أهم عناصر الإقناع؛ فبذلوا في ضرب هذه العناصر جهودا جبارة واستعانوا بخبرات مختلف العلماء لإثبات وجود هنات في القرآن كما وجدت العظائم في كتبهم، وأنشأت لذلك المراكز البحثية العديدة ومراكز الدراسات الكبيرة التي توفر لها الدعم المادي والمعنوي؛ وذلك حتى ُيخضع القرآن الكريم إلى النقد بهدف الطعن في قطعية ثبوت مصدره وسلامة محتواه.

ويوضح المبشر جون تاكلي ذلك بقوله: (يجب أن نستخدم القرآن، و هو أمضى سلاح ضد الإسلام نفسه، بأن نعلم المسلمين بأن الصحيح في القرآن غير جديد، و أن الجديد فيه غير صحيح) أي ينكر الجديد فيه وغير الجديد يُدعى فيه أنه مأخوذ من مصادر أخرى أو أن هنالك ما يشابهه في ذلك.

وهذه التصريحات لم تعبر عن قناعات علماء النصارى وإنما عبرت عن منهجهم في محاربة القرآن وتشويه صورته الشديدة الإشراق.

ووجوه الإعجاز القرآني كما هو معلوم متعددة منها ما يتعلق بالمعنى " الإعجاز العلمي والتشريعي ونحوه "ومنها ما يتعلق باللفظ والنظم "إعجاز البلاغة والفصاحة" أما الإعجاز العددي في القرآن فهو وجه لم تنضج الدراسات فيه من جانب وهو ليس محل إجماع المسلمين من جانب آخر؛ إذ لم يعيّنه القرآن ولا السنة؛ فإذا أثبته مدعوه سلّم لهم المسلمون به، وإذا لم يثبت بأدلة مقنعة لم يتضرر القرآن ولا الإسلام منه في شيء؛ بل كان مردودا على من ادعاه فحسب، والادعاء البسيط فيه سهل يسير ولهذا ادعاه هولاء النصارى وركزوا عليه دون غيره

ومن العجيب والمضحك جدا أن هولاء النصارى قد ادعوا أن للإعجاز القرآني وجوها لم يقل بها أحد غيرهم؛ ثم انكبوا عليها انكباباً ليدحضوها نحو الإعجاز الكتابي كما سيأتي

هذا، ومن أنواع الإعجاز القرآني التي حاول هولاء النصارى هدمها بأشكال مختلفة الآتي

إعجاز المعاني" العلمي والتشريعي ونحوه ":

إنّ الكتب السماوية قبل التحريف - وإن تنوعت شرائعها واختلفت مناهجها - إلا أنها في حقيقة الأمر ذات عقيدة واحدة وهي التوحيد، ولكن من الناحية العملية فهناك فروق جوهرية بين القرآن وسائر الكتب ينبغي مراعاتها؛ وهي:

1 - يجتمع القرآن والكتب السماوية – قبل التحريف - في كونها جميعها صادرة من الله.

2 - لما كانت الكتب السماوية صادرة من الله - فهي معجزة في المعاني فحسب من حيث صدق الأخبار وعدل الأحكام؛ يقول ابن تيمية: (إذا قدر أحد أن التوراة والإنجيل أو الزبور معجز لما فيه من العلوم والإخبار بالغيب والأمر والنهي ونحو ذلك لم ينازع في ذلك؛ بل هذا دليل على نبوتهم صلواته الله عليهم وعلى نبوة من أخبروا بنبوته، ومن قال أنها ليست معجزة من جهة اللفظ والنظم كالقرآن - فهذا ممكن)

3 - إن الكتب السماوية -وإن كانت في أصلها الأول معجزة المعنى- إلا أن هذا الأصل لم يعد بين أيدينا الآن؛ إذ حُرّفت هذه الكتب وبُدّلت؛ وهذا يدل على أن إعجاز المعاني أيضاً في الكتب السماوية الأخرى قد أصبح إدراكه والتسليم به الآن أمراً مستحيلاً.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015