لذلك يا شيخي الكريم: لا أقبلُ بتعدد الأعداد , وأقبلُ بتعدد القراءات , مع العلم أنَّ هذا ليس إلا افتراضاً حتى الساعة , إذ لم نرَ في بحوث الرياضيات القرآنية - إن صحت التسمية - بحثاً تناول العدَّ والحسابَ في ما اتفقت عليه المصاحف مما يُقرَأُ به من روايات في العالم الإسلامي , فضلاً عن تسعةَ عشر روايةٍ لا زالت تنتظرُ ظهور هذ الإعجاز حتى نوقنَ بأنهُ إعجاز.

وبالنسبة لسؤالكم عن ما إذا ثبتَ اقتصارالإعجاز العددي على مصحف حفص عن عاصم دون غيره , فكيف يمكن نقضه لعدم انطباقه على رواية اخرى مادام واقعا موجودا في تلك الرواية لا يمكن إنكاره.؟

فالمُشكلُ في ذلك أن الإعجازَ العدديَّ سيكونُ مشروطاً برواية حفصٍ رحمهُ الله , وهذا سيدخلنا في متاهات لا يعلمها إلا الله بدءاً باختلاف المصاحف واختيارات القراء وغير ذلك, وانتهاءاً بإنكار المسلمِ الذي لم تبلغهُ روايةُ حفصٍ لهذا الإعجاز بالجملة والتفصيل , خلافاً للإعجاز البياني وغيرهِ من إعجاز الأخبار والأكوان التي تثبتُ في القرآن بأي وجه وروايةٍ ثبتَ بها فلا يسعُ مسلماً جحودهُ ولا التعالي عن الاعتراف به.

وسيظهرُ قصرُ الإعجاز على روايةٍ من عشرين بأن الرقم (19) الذي يرمزُ لباقي روايات القرآنَ يدلُّ على أنَّ انفرادها عنهم بذلك , مع أنها ليست الأقربَ صاحبا إلى عصر النبوةِ , ولا الأوثقَ نقلةً - عندهم - في تعديل رجالات الحديث , ولا .... ولا .... ولا .... الخ. كل ذلك سيفتحُ للأعداء أبواباً مفروشةً بالشُّبه لشنِّ حربٍ طاعنةٍ في كتاب الله المحفوظ , والذي لا يؤمنون لهُ بقدسية ولا إحكام , وإن استيقنت أنفسهم ذلك ولكن جحدوا بها ظلما وعلوا.

خذ مثلا: عدد حروف البسملة هو 19، ولو جمعنا ما كتب عن الإعجاز العددي في البسملة - بعد التأكد من صحته - لخرجنا بمجلد من الحقائق ..

لا يكفي في مواجهة هذا الطوفان من الحقائق أن يخرج معارض للإعجاز العددي فيقول وعلى وجهه ابتسامة الفتح المبين: إن عدد حروف البسملة هو 20 .. وهكذا يا باحثي الاعجاز العددي ضاعت جهودكم سدى .. أهذا معقول؟!.

دعنا ممن سينكر عدد حروف البسملة زائدا فيها أو منقصا لها , ولكن بم يجاب من لم يثبت عنده أن البسملة آية من كتاب الله تعالى , كما ثبت عنده أن القرآن خالٍ من كلمة (هو) في قول الله في سورة الحديد (وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)؟

وهل سيبقى أمام من تمسك بهذا الحبل المتين المتواتر قطعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم طوفان أو إعصار أو غيرهما.؟

وهل نحرمه من حق ابتسامته وإن لم تكن للفتح المبين , ولكنها لنبذ المبالغة في ادعاء علاقة عمليات الحساب بالإعجاز في القرآن الكريم.

ومثل ذلك يقال عن الإعجاز العددي في ترتيب سورة ما، فلا يكفي أن يقول أحدهم: العلماء مختلفون في ترتيب سور القرآن، يظن بذلك أنه يهدم عشرات الحقائق الملاحظة في ترتيب تلك السورة .. والأدهى من ذلك أن هناك من يصفق له ويدعو له بمزيد من الانتصارات والفتوحات ومقارعة الأعداء ..

قضية السور ليست بمشكلة إشكالَ القراءات , وإشكالَ المقطوع والموصول الذي لم تتفضلوا علي بجواب عن استشكالي فيه , والذي لا ينبني على قاعدة ولا تغني فيه المعادلات والحسابات , مع أن من قال بهذا القول في ترتيبها لم يقله تشهيا ولا عنادا , وإنما استند في ذلك على أدلة شرعية ثابتة , بغض النظر عن كونها راجحة أو مرجوحة.

فيا أيها الأخوة: إذا كنتم تبحثون عن الحقيقة والحق، فمدوا أيديكم للباحثين في الاعجاز العددي، استمعوا الى كل ما يقولونه، حاوروهم ولا تطلقوا عليهم الرماح المسمومة، لئلا يأتي يوم تعضون فيه على أصابعكم من الندم.

إن الاستفصال والاستشكال فيما ليس بوحي ليس رميا له برماح مسمومة بقدر ما هو بحثٌ عن الحق وصيانة لكلام الله عن التجارب والافتراضات حتى لا يثبُت خطأها بعد التسليم المطلق فنندم ولات ساعة مندم , وشكر الله لكم شيخنا الكريم تنزلكم وسعة صدركم ومحاولتكم تبصير بنيكم بالحق , نسأل الله أن يهدينا إليه جميعا , وبارك الله لكم في علمكم وعملكم.

ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[12 Feb 2009, 03:41 م]ـ

الأخ الفاضل:

... المشكلة إذن ليست في وجود الاعجاز العددي أو عدم وجوده، فهو حقيقة ثابتة مؤيدة بما يكفي من الأدلة لا يجوز إنكارها ..

المشكلة هي: ما السبيل إلى التوفيق بين الاعجاز العددي وتعدد الروايات .. على نحو مقبول. ألا ترى لو أنه لم يكن هناك تعدد في الروايات،لما كان هناك من سبب لرفض الاعجاز العددي؟

لسان حال الكثيرين - وأعتقد أن المعارضين في أولهم - يقول: الاعجاز العددي موجود ولكن أين المخرج؟

فأما قولك:

(إذ لم نرَ في بحوث الرياضيات القرآنية - إن صحت التسمية - بحثاً تناول العدَّ والحسابَ في ما اتفقت عليه المصاحف مما يُقرَأُ به من روايات في العالم الإسلامي)

فالأمر ليس صعبا، ولدي أمثلة من الاعجاز العددي على ذلك .. ولكن الخروج بعمل متكامل في هذه الناحية يحتاج إلى ما هو أكثر من الجهود الفردية المحاطة بكثير من العوائق.

مع فائق التقدير

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015