يستعمل مكي ألفاظا وتعابير تدل على شخصيته في الجمع بين الأقوال والترجيح بين الآراء، ولاختيار في موضع الخلاف، والرد القوي بل لعنيف أحيانا.

وفيما يلي نظرة موجزة عن منهجه في الجمع والترجيح.

1 - قد يجمع بين قولين مختلفين مستدلا لكل واحد منها بتوجيه لغوي يجعل منه وجها محتملا في الآية، من ذلك قوله في تفسير قوله تعالى: "وقيل: من راق" القيامة:25): «أي: وقال أهله ومن حوله، من يرقيه فيشفيه لما به، وطلبوا له الطب فلم يغنوا عنه من أمر الله شيئا، هذا معنى قول عكرمة وابن زيد، وقال أبو قلابة: «من راق»: «من طبيب وشاف» وهو قول الضحاك وقتادة، وعن ابن عباس أن معناه: وقالت الملائكة – يعني أعوان ملك الموت – من يرقى بنفسه فيصعدها، ملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب؟

قال مكي: يقال رقى يرقي من الرقية، ورقي يرقى من الصعود، واسم الفاعل فيهما راق «. (21)

2 - وقد يميل إلى بعض القوال اعتبارا بسياق الكلام، قال: «وقوله» "فإذا برق البصر"، من فتح الراء فمعناه لمع عند الموت، ومن كسر فمعناه حار وفزع عند الموت، قال قتادة: «برق البصر»: شخص، يعني عند الموت، وقيل: ذلك يوم القيامة عند المبعث، وسياق الكلام يدل على ذلك، لأن بعده: "وخسف القمر، وجمع الشمس والقمر، يقول الإنسان يومئذ أين المفر". فهذا كله يوم القيامة يكون، فكذلك"برق البصر" وقيل: الفتح في الراء والكسر لغتان بمعنى لمع وشخص، ويدل على صحة ذلك قوله: "لا يريد إليهم طرفهم" (إبراهيم:43) فهذا هو الشخوص، لا تطرق أعينهم، وذلك من شدة هول يوم القيامة». (22)

3 - وقد يستدل على تصحيحه لرأي ما بآية ما موضع آخر من كتاب الله عز وجل كما في المثال السابق.

4 - الإسناد والاهتمام بالأشهر دون الشاذ.

قال مكي: «وحكى الفراء: «ليخرجن الأعز منها الأذل» بنصب «الأذل» على الحال وفتح الياء وضم الراء من «ليخرجن» وهو بعيد، وقد أجاز يونس: «مررت به المسكين» بالنصب على الحال، وكى سيبويه: «دخلوا فالأول» بالنصب على الحال، وهذه أشياء شادة لا يقاس عليها القرآن. (23)

5 - ظاهر الخطاب: قال مكي «في رده على الفراء بعدما حكى أن المراد بقوله تعالى. "إذا ابعث أشقاها". (الشمس: 12) اثنان هما ققدر بن سالف، وآخر-: وفي هذا بعد، لأن ظاهر الخطاب لا يخرج عن حده إلا بدليل، ولا دليل في الآية يدل على أنهما اثنان». (24)

6 - كثيرا ما ترد عند مكي عبارات مثل: «أكثر المفسدين» و «أكثر الفقهاء»، «وأكثر العلماء». و «أكثر الناس». ودلالتها الترجيحية واضحة.

وهكذا يتبين أن مكيا رحمه الله تعالى لم يكن جامعا فحسب، بل أضاف إلى مكتبة التفسير مصنفا جديرا بالاهتمام، وربما يكفي في الدلالة على ذلك ما قاله الإمام ابن حزم: «وأما القرآن فمن أجل ما صنف فيه تفسير الهداية». (25)

ونحن نريد هذه الشهادة تأكيدا بما يلي:

- أن هذا التفسير حفظ فهوما كثيرة نشأت حول كتاب الله عز وجل، ولا شك أنها نالت حظا وافرا من نوره، وصارت لها قيمة تاريخية تفيد كثيرا في قراءتنا لكتاب الله عز وجل وامتلاك القدرة على استنباط منه والاجتهاد تحت ظلاله.

- أن هذا التفسير يمثل نموذجا طيبا للاختصار الجيد للمؤلفات المطولة كما تبين ذلك من خلال الحديث عن المصادر.

- أنه سيساعدنا في قراءة مجموعة من النصوص القديمة التي لم تعط حقها من التحقيق الجيد. ومن ذلك مثلا: ما نقله عن الفراء أنه حكى: «ليخرجن الأعز منها الأذل» بنصب «الأذل» على الحال وفتح الياء وضم الراء من «ليخرجن» (26) وقد شكل محقق معاني القرآن الفراء الياء من «ليخرجن» بالضم، وهو اجتهاد منه أو من الناسخ.

وكذلك فعل محقق إعراب القرآن النحاس، (28) الذي حكى عن الفراء «ليخرجن» إلا أنه زاد على ضم الياء كسر الراء.

والفراء لم يفصل العلامات، غير أنه قدر المعنى كأنك قلت:

«ليخرجن العزيز منها ذليل». ويكون ذليلا منصوبا على الحال كما نص عليه مكي وكما يفهم من كلام النحاس.

وتقدير الفراء محتمل في كل هذه الأشكال، باستثناء كسر الراء، فإنه لا يناسب الحال.

والمراد هنا هو تبين الشكل الذي حكاه الفراء في الأصل. والظاهر أنه كما ذكره مكي، وقد ذكرها كذلك وردها في كتابه (مشكل إعراب القرآن)، (29) إلا أنه لم يذكر الفراء، وذكرها ابن عطية في (المحرر)، (30) وأبو حيان في (البحر) (31) ببيان الشكل نصا، ذكرا ذلك عن الفراء والكسائي فيما يحكيانه.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015