وأما ما شكلت به هذه الكلمة في إعراب القرآن للنحاس، «ليخرجن» بضم الياء وكسر الراء وفتح الجيم، فلا شك أنه لا يتحقق به الغرض هنا، لأن هذه هي قراءة الجمهور وليست في حاجة إلى أن يحكيها الفراء.

- أن هذا التفسير حفظ علينا مجموعة من القراءات الشاذة التي لا تخفى قيمتها التاريخية والعلمية والأدبية.

- أن هذا التفسير يظهر فيه الحرص على الالتزام بمنهج علمي، وهو – وإن كان يميل – في الآراء الفقهية – إلى مذهب الإمام مالك، إلا أنك لا تلمس في ميله ذلك أي تعصب أو انتصار أعمى، بل إن طريقته في عرض آراء المذاهب الأخرى لتدل على سعة في الصدر وتقدير لأهل العلم، بل إن مكيا رحمه الله قد يميل إلى رأي الجمهور إذا كان بخلاف رأي مالك، ومن ذلك مثلا: مذهب الجمهور في المطلقة ثلاثا أنها لا نفقة لها ولا سكنى، وهو مذهب الإمام أحمد، وقد ذكره مكي في بداية حكاية الخلاف، وأخر قول مالك وغيره أن لها السكنى ولا نفقة لها. وسياق الكلام يدل على ميله إلى رأي الجمهور، حيث إنه – زيادة على تقديمه – استدل له بأنه مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم. (32)

أما عن المعركة الفكرية التي شنها على أصحاب المذاهب المخافة لمنهج أهل السنة والجماعة في مسائل العقيدة، فلا نزنها تقدح في قيمة منهج مكي، وذلك أنه في ردوده كان يستند إلى أصول نقلية وعقلية، غير مكتف باستدلاله على صحة رأيه، بل يزيد على ذلك بنظره في أدلة المخالفين والاستدلال على بطلانها، كما أن الشدة التي صبغت ودوده، لها ما يبررها، فقد اعتمد أصحاب الاعتزال في نصرة مذهبهم صنوفا من الإرهاب والتهديد، خلفت جراحا عميقة في شعور الأمة وقلوب علمائها. كما أن الأمر في العقيدة يختلف عنه في الفقه، ومكي كان ينافح عن اساس الإسلام، ولا شك أن العقيدة أساس بنيته.

وفي نهاية هذا البحث لا بد من الإشارة إلى أنه لم يكن يهدف إلى استقصاء عناصر المنهج التفسيري عند مكي بقدر ما كان يهدف إلى التنبيه على بعض محاسن هذا التفسير، لعله ينال من الباحثين ما هو أهل له من التقدير والاهتمام، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ

1) أبو محمد مكي بن أبي طالب القيسي، ولد بالقيروان سنة 355هـ، ورحل في طلب العلم إلى الحجاز ومصر، ثم استقر في قرطبة من سنة 393هـ إلى أن توفي فيها سنة 437هـ (أنظر غاية النهاية في طبقات القراء 2/ 31).

2) مكي بن أبي طالب وتفسير القرآن: الدكتور أحمد فرحات، الطبعة الأولى، دار الفرقان، الأردن، (1404هـ / 1983م).

3) ألف مكي في القراءات كتاب: «الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها»، حققه د. محيي الدين رمضان. مؤسسة الرسالة بيروت، الطبعة الثالثة. 1404هـ / 1984م. وفي التجويد كتاب: «الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة» / حققه د. أحمد حسن فرحات، دار المعارف للطباعة، دمشق (1393هـ 1973م).

وفي الإعراب: كتاب «مشكل إعراب القرآن»، حققه، د. حاتم صالح الضامن. مؤسسة الرسالة، بيروت. الطبعة الثانية (1405هـ/ 1984م).

وفي التفسير كتاب: «الهداية إلى بلوغ النهاية في معاني القرآن وتفسيره وأنواع علومه»، وقد اقترب ثلة من الباحثين في المغرب من نهاية تحقيقه، نسأل الله تعالى أن ييسر في إخراجه وطبعه في أقرب وقت وعلى أحسن وجه. ولمكي مؤلفات أخرى كثيرة.

أنظر: إنباه الرواة في أنباه النحاة للقفطي: (3/ 315 – 319) وكتاب مكي بن أبي طالب وتفسير القرآن، للدكتور حسن فرحات.

4) أبو جعفر النحاس (تـ:338) ومن كتبه التي رجع إليها مكي: «إعراب القرآن». و «القطع والائتناف»، وهما مطبوعان.

5) ابو إسحاق الزجاج: ومن كتبه «معاني القرآن وإعرابه» مطبوع.

6) لم أعثر في الهداية على شيء يشير إلى تفسير ابن العباس باعتباره تأليفا مستقلا. بل غالب ما فيه من أقوال ابن العباس قد أخرجه الطبري في جامع البيان، وقد استبعد د. فرحات أن يكون المقصود بهذا الكتاب ذلك التفسير المنسوب إلى ابن عباس، والذي حمل عنوان: «تنوير المقياس من تفسير ابن العباس»، ثم خلص إلى أنه يحتمل أن يكون مكي قد اطلع على كتاب خاص في التفسير يجمع أقوال ابن العباس، وصل إليه ولم يصل إلينا، وذلك أن عبارة مكي في تقديمه لهذا المصدر صريحة في اعتباره مؤلفا مستقلا. انظر: «مكي بن أبي طالب وتفسير القرآن» (ص:184 –

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015