و كذا ترجم له الإمام البخاري في " التاريخ الكبير "، و " التاريخ الصغير "، و المزي في " تهذيب الكمال "، و الذهبي في " ميزان الاعتدال "، و ابن حجر في " تهذيب التهذيب "؛ فالقول بأنه لا يُعرَف مَن هو قولٌ باطل، و عدم معرفة ابن حزم بالحارث لا تضرّه؛ فقد عرفه غيره من الأئمة الأعلام و ترجموا له؛ فلا يكون مجهولاً، كما ادعى ابن حزم، لا جهالة عيْنٍ و لا جهالة حال؛ فقد وثّقه ابن حبان، و ذكره في الثقات، في الرقم (7219)، و ترجم له: - (الحارث بن عمرو بن اخى المغيرة بن شعبة يروى عن أصحاب معاذ روى عنه أبو عون الثقفى).

و أما قول الإمام البخاري: (و لا يصِحّ) - في حديث الحارث في اجتهاد الرأي - فالمراد به أنه لا يصِحّ رفعه، و هذه عبارته في " التاريخ الصغير ": (الحارث بن عمرو بن أخي المغيرة بن شعبة الثقفي عن أصحاب معاذ، رفعه في اجتهاد الرأي، قال شعبة عن أبي عون، ولا يعرف الحارث إلا بهذا، ولا يصح). أي رفْعُه، و إنما هو مرسل؛ كما صرّح في " التاريخ الكبير "؛ قال: (الحارث بن عمرو ابن أخى المغيرة بن شعبة الثقفى، عن أصحاب معاذ عن معاذ، روى عنه أبو عون، ولا يصح، ولا يعرف الا بهذا، مرسل). و قوله (و لا يعرف إلا بهذا) يعني: لا يعرف إلا بهذا الحديث؛ قال ابن عدي: هو معروف بهذا الحديث؛ ذكره ابن حجر في " تهذيب التهذيب ".

-----------------------

5 - و قال ابن قدامة في " روضة الناظر وجنة المناظر " - بعد أن ذكر رواية الحارث بن عمرو -: (و قد رواه عبادة بن نُسَيّ عن عبد الرحمن بن غَنْم عن معاذ.

ثم الحديث تلقته الأمة بالقبول، فلا يضره كونه مرسلا).

6 - و قال الإمام الذهبي: (و إسناده صالح)؛ قاله في كتابه " سير أعلان النبلاء "، في تعقيبه على ما ذكره الجويني في كتاب " البرهان " في حديث معاذ في القياس، و قوله فيه: هو مدون في الصحاح، متفق على صحته.

قلت [الذهبي]: بل مداره على الحارث بن عمرو، وفيه جهالة، عن رجال من أهل حمص، عن معاذ.

فإسناده صالح. أهـ

* و لعل البعض قد اغتر بكلمة (و فيه جهالة)، المذكورة هنا و نحوها، و ليست على ظاهرها في اصطلاح بعض المحدِّثين، و إنما يعنون بها (مَن لم يُعرَف حديثه إلا من جهة راوٍ واحد)، كما حكاه الإمام ابن الصلاح في " مقدمته "؛ قال: (ذكرأبوبكر الخطيب البغدادي في أجوبة مسأل سئل عنها: أن المجهول عند أصحاب الحديث هو كل من لم تعرفة العلماء، ومن لم يعرف حديثه إلا من جهة راوٍ واحد. مثل: عمرو ذي مر، وجبار الطائى. وسعيد بن ذي حدان. لم يروى عنهم غير أبي أسحق السبيعي.: مثل الهزهاز بن ميزن: لا راوى عنة غير الشعبى. ومثل جرى بن كليب، لم يرو عنه إلا قتادة.

قلت: قد روى عن الهزهاز الثوري أيضا.

قال الخطيب: وأقل ما يرتفع به الجهالة أن يروى عن الرجل ثنان من المشهورين بالعلم، إلا أنه لا يثبت له حكم العدالة بررأيتهما عنه. وهذا مما قدمنا بيان، الله أعلم). أهـ

و عليه فقول الذهبي في الحارث بن عمرو - أحد رواة حديث اجتهاد الرأي - (و فيه جهالة) إنما يُراد به أنه لم يَرْو عنه إلا راوٍ واحد، و يؤيده قول الذهبي في " لسان الاعتدال " - في حديث اجتهاد الرأي هذا -: (تفرد به أبو عون محمد بن عبيدالله الثقفى، عن الحارث بن عمرو الثقفى ابن أخى المغيرة. وما روى عن الحارث غير أبى عون، فهو مجهول).

يعني: لم يرو عنه إلا راوٍ واحد

*********

7 - و احتج بذلك الحديث أيضا الإمام أبو بكر الجصاص في كتابه " أحكام القرآن "؛ قال: (استعمال الرأي والاجتهاد وردّ الحوادث إلى نظائرها من المنصوص قد كان جائزا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم في حاليْن، ولم يكن يجوز في حال؛ فأما الحالان اللتان كانتا يجوز فيهما الاجتهاد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فإحداهما في حال غيبتهم عن حضرته، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم معاذا حين بعثه إلى اليمن فقال له {: كيف تقضي إن عرض لك قضاء؟ قال: أقضي بكتاب الله قال: فإن لم يكن في كتاب الله؟ قال: أقضي بسنة نبي الله، قال: فإن لم يكن في كتاب الله ولا في سنة رسول الله؟ قال: أجتهد رأيي لا آلو، قال: فضرب بيده على صدره وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله}؛ فهذه إحدى الحالين اللتين كان يجوز الاجتهاد فيهما في حياة النبي صلى الله عليه وسلم). أهـ

8 - و كذا احتج به الإمام أبو بكر بن العربي في كتابه " أحكام القرآن "؛ قال في (المسألة الثالثة: قوله تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول}: قال علماؤنا: ردوه إلى كتاب الله، فإذا لم تجدوه فإلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن لم تجدوه فكما قال عليّ: ما عندنا إلا ما في كتاب الله تعالى أو ما في هذه الصحيفة، أو فهم أوتيه رجل مسلم، وكما {قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: بم تحكم؟ قال: بكتاب الله.

قال: فإن لم تجد.

قال: بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي، ولا آلو.

قال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله}.

فإن قيل: هذا لا يصح.

قلنا: قد بينا في كتاب " شرح الحديث الصحيح " وكتاب " نواهي الدواهي " صحته، وأخذ الخلفاء كلهم بذلك ... ). أهـ

* * *

و عليه، فالقول بالاستدراك على الإمام ابن كثير فيما ذكره غير صحيح، و كذا القول بتضعيف حديث معاذ رضي الله عنه - في اجتهاد الرأي عند غياب نصٍ من الكتاب و السُنة -.

و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

كتبه

د. أبو بكر عبد الستار خليل

عفا الله عنه و عافاه في الداريْن

اللهم آمين يا رب العالمين

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015