3 - و كذا احتج به الإمام الخطيب البغدادي في كتابه " الفقيه و المتفقه "، و قال: (فإن اعترض المخالف بأن قال: لا يصح هذا الخبر، لأنه يروى عن أناس من أهل حمص لم يسموا فهم مجاهيل، فالجواب: أن قول الحارث بن عمرو، عن أناس من أهل حمص من أصحاب معاذ، يدل على شهرة الحديث، وكثرة رواته، وقد عرف فضل معاذ وزهده، والظاهر من حال أصحابه الدين والثقة والزهد والصلاح، وقد قيل: إن عبادة بن نسي رواه عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ، وهذا إسناد متصل، ورجاله معروفون بالثقة، على أن أهل العلم قد تقبلوه واحتجوا به، فوقفنا بذلك على صحته عندهم كما وقفنا على صحة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا وصية لوارث "، وقوله في البحر: " هو الطهور ماؤه الحل ميتته "، وقوله: " إذا اختلف المتبايعان في الثمن والسلعة قائمة تحالفا وترادا البيع "، وقوله: " الدية على العاقلة "، وإن كانت هذه الأحاديث لا تثبت من جهة الإسناد، لكن لما تلقتها الكافة عن الكافة غنوا بصحتها عندهم عن طلب الإسناد لها، فكذلك حديث معاذ، لما احتجوا به جميعا غنوا عن طلب الإسناد له). أهـ

4 - و احتج به أيضا الإمام ابن القيم في " إعلام الموقعين عن رب العالمين "، فصل (حديث معاذ في القياس)؛ قال: (وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم معاذا على اجتهاد رأيه فيما لم يجد فيه نصا عن الله ورسوله - ثم ذكر الحديث، و قال: - فهذا حديث وإن كان عن غير مسمّين فهم أصحاب معاذ فلا يضره ذلك؛لأنه يدل على شهرة الحديث، وأن الذي حدث به الحارث بن عمرو عن جماعةٍ من أصحاب معاذ، لا واحدٍ منهم، وهذا أبلغ في الشهرة من أن يكون عن واحد منهم لو سُمّي، كيف وشهرة أصحاب معاذ بالعلم والدين والفضل والصدق بالمحل الذي لا يخفى، ولا يُعرف في أصحابه متهم ولا كذاب ولا مجروح، بل أصحابه من أفاضل المسلمين وخيارهم، لا يشك أهل العلم بالنقل في ذلك، كيف وشعبة حامل لواء هذا الحديث وقد قال بعض أئمة الحديث: "إذا رأيت شعبة في إسناد حديث فاشدد يديك به" قال أبو بكر الخطيب: "وقد قيل إن عبادة بن نسى" رواه عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ وهذا إسناد متصل ورجاله معروفون بالثقة على أن أهل العلم قد نقلوه واحتجوا به فوقفنا بذلك على صحته عندهم كما وقفنا على صحة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا وصية لوارث" وقوله في البحر: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" وقوله: "إذا اختلف المتبايعان في الثمن والسلعة قائمة تحالفا وترادا البيع" وقوله: "الدية على العاقلة" وإن كانت هذه الأحاديث لا تثبت من جهة الإسناد ولكن ما تلقتها الكافة عن الكافة؛ غنوا بصحتها عندهم عن طلب الإسناد لها؛ فكذلك حديث معاذ لَمّا احتجوا به جميعا غنوا عن طلب الإسناد له انتهى كلامه). أهـ[يعني هذا القدْرالذي نقله عن أبي بكر الخطيب]

* و بذا سقط قول ابن حزم في كتابه " الإحكام ": ((هذا حديث ساقط،، لم يروه أحد من غير هذا الطريق، وأول سقوطه أنه عن قوم مجهولين لم يسمّوا، فلا حجة فيمن لا يعرف من هو، وفيه الحارث بن عمرو وهو مجهول لا يعرف من هو، ولم يأت هذا الحديث قط من غير طريقه.

أخبرني أحمد بن عمر العذري، ثنا أبو ذر الهروي، ثنا زهر بن أحمد الفقيه زنجويه بن النيسابوري، ثنا محمد بن إسماعيل البخاري، هو جامع الصحيح، قال فذكر سند هذا الحديث، وقال رفعه في اجتهاد الرأي، قال البخاري: ولا يعرف الحارث إلا بهذا، ولا يصح. هذا كلام البخاري رحمه الله)). انتهى

-----------------

فقول ابن حزم بسقوط ذلك الحديث لأنه (عن قوم مجهولين، لم يُسَمّوا) مدفوعٌ بما ذكره آنفا الإمامان ابن القيم والخطيب البغدادي، الذي ترجم له الحافظ ابن عساكر بـ (الفقيه الحافظ أحد الأئمة المشهورين والمصنفين المكثرين والحفاظ المبرزين ومن ختم به ديوان المحدِّثين).

و أما زعم ابن حزم بجهالة الحارث بن عمرو، و قوله - في ذلك الحديث -: (وفيه الحارث بن عمرو وهو مجهول لا يعرف من هو) فَوهمٌ؛ فقد ترجم له ابن أبي حاتم في " الجرح و التعديل "، و قال: (الحارث بن عمرو ابن اخى المغيرة بن شعبة روى عن اصحاب معاذ روى عنه أبو عون الثقفى سمعت ابى يقول ذلك).

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015