"في ظلال القرآن" لسيد قطب رحمه الله تعالى كتاب عجيب؛ لا يملك المنصف العاقل عندما يقرأ فيه إلا أن يقول: سبحان من فتح على سيد بهذه الفتوحات التي استقاها من نور الوحي، وسبحان من آتاه ذلك الأسلوب الأدبي الرفيع الذي يأسر به القارئ ويأخذ بمجامع عقله وفكره حتى يحلق به في آفاق سامية ومعان رائعة وصور بديعة قل أن تجدها في كتاب ...
وقالته:
كلما قرأت فيه وجدت فيه ضالتي التي أبحث عنها، ورأيت فيه الجمال الذي أنشده، وشعرت عند القراءة فيه بشيء لا أجده عند القراءة في غيره من كتب البشر.
والله لكأنما يقولها بلساني!
لقد فتح الله تعالى علي بكتاب الظلال قراءة وتعايشا و ـ إن صح التعبير ـ عشقا .. !
وأجزم ـ وأنا غير متحرج ـ أنه لم يؤلف مثله .. والكتاب ومؤلفه كانا سببا لنجدتي من بلايا ورزايا فكرية تصورية كنت في طريق الهلاك بها، ولم يعصمني منها ـ كسبب ـ ما كان معي من فروع وعلوم آلة عايشتها سنوات وانغمست فيها غمس الولهان، بله العابد!
إن القضية ليست قضية بيانات وتحصيل وعلوم فروع وأصول؛ فكم رأينا من فقيه ذل وانتكس بعد أن كان غارقا في بحور العلوم ـ وتاريخ الجبرتي والانفتاح الغربي على رجال الأزهر والتاريخ الحديث يشهدون بذلك ـ ..
وكم رأينا ـ في أيامنا تلك ـ أيام الفتن الفكرية (الدينية) من رجل كان يشار إليه بالعلامة المحدث الفقيه، فإذا به تعصفه الأمواج الفكرية والأحداث المتلاطمة، فيتحول منهجه إلى منهج منبوذ مميع، أو إلى فكر بعيد عن الإسلام بالكلية، ناشء عن المصنع الغربي الملحد!
إن اطمئنان القلب إلى ((الله)) هو شيء آخر غير ذاك .. هو الثبات والاطمئنان إلى منهج الله .. هو التلقائية في التصور .. هو ترك الفطرة تعمل دون معوقات ودون محاولة التدخل في عملها ..
فدين الله تعالى فطرة وتشريع منزل بموجب ما التزمته الفطرة من طبيعتها؛ لا معادلات يدخلها تكلف الإنسان وإعمال عقله القاصر .. فصار المنهج الرباني الواحد مناهج وتوجهات وجيوب .. هي أضيق على النفس من جحر الضب!
والله تعالى المستعان وعليه التكلان
وكأنه يتابع ما يعاني منه أهل غزة الأبية الصامدة
وهذا مثله ..
قال لي أحد أصحابي يوما حينما اطلعنا على كلام لقطب: كأنما يتكلم من قبره
ثم تعايشت مع الظلال فترة أحداث غزة .. فإذا بسيد قطب رحمه الله .. وفي غمرة الخيانات والتحريض من الخائنين على المؤمنين والتخويف والترعيب من تولي المؤمنين واللحوق بهم في جهاد أعداء العقيدة .. إذا بسيد قطب رحمه الله ورضي عنه يبعث لنا من الظلال بيانا! .. جاء فيه:
({يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين. بل الله مولاكم وهو خير الناصرين}. .
لقد انتهز الكفار والمنافقون واليهود في المدينة ما أصاب المسلمين من الهزيمة والقتل والقرح ليثبطوا عزائمهم ويخوفوهم عاقبة السير مع محمد ويصوروا لهم مخاوف القتال وعواقب الاشتباك مع مشركي قريش وحلفائهم. . وجو الهزيمة هو أصلح الأجواء لبلبلة القلوب وخلخلة الصفوف وإشاعة عدم الثقة في القيادة; والتشكيك في جدوى الإصرار على المعركة مع الأقوياء; وتزيين الانسحاب منها ومسالمة المنتصرين فيها! مع إثارة المواجع الشخصية والآلام الفردية; وتحويلها كلها لهدم كيان الجماعة ثم لهدم كيان العقيدة ثم للاستسلام للأقوياء الغالبين!))
سبحان الله .. لمن كتب قطب هذا الكلام؟
ثم يقول:
((ومن ثم يحذر الله الذين آمنوا أن يطيعوا الذين كفروا. فطاعة الذين كفروا عاقبتها الخسارة المؤكدة وليس فيها ربح ولا منفعة. فيها الانقلاب على الأعقاب إلى الكفر. فالمؤمن إما أن يمضي في طريقه يجاهد الكفر والكفار ويكافح الباطل والمبطلين وإما أن يرتد على عقبيه كافراً - والعياذ بالله - ومحال أن يقف سلبياً بين بين محافظاً على موقفه ومحتفظاً بدينه. . إنه قد يخيل إليه هذا. . يخيل إليه في أعقاب الهزيمة وتحت وطأة الجرح والقرح أنه مستطيع أن ينسحب من المعركة مع الأقوياء الغالبين وأن يسالمهم ويطيعهم وهو مع هذا محتفظ بدينه وعقيدته وإيمانه وكيانه! وهو وهم كبير. فالذي لا يتحرك إلى الأمام في هذا المجال لا بد أن يرتد إلى الوراء والذي لا يكافح الكفر والشر والضلال والباطل والطغيان لا بد أن يتخاذل ويتقهقر ويرتد على عقبيه إلى الكفر والشر والضلال
¥