الثاني: تطورت العدة المعرفية المعتمدة من قبل رجال هذا التيار. فبعد الاستنجاد بالاستكشافات العلمية في الطب، والفلك، والكيمياء، والطبيعة تعدلت الاستفادة باتساع دائرتها لتشمل الألسنية، وعلم الاجتماع وعلم النفس، ولا يتوانى النيفر عن مؤاخذة شحرور لوقوعه ((في النزعة التوفيقية بين آيات قرآنية وبين ما أكدته العلوم الحديثة (36).

الثالث: ((إن التيار الأيديولوجي ـ رغم اختلاف تعبيراته ـ وتفاوت البعد فيه عن المدونة التفسيرية السلفية، فيما طرحه من أسئلة وعالجه من قضايا لم يختلف جوهريا عن تلك المدونة في المجال المنهجي … لقد عجزت النماذج الأيديولوجية السبعة التي قدمناها عن القطع مع هذا الفهم، وان لامس البعض مسائل كان يمكن أن تؤدي إلى معالجة تجديدية لمنهج فهم النص)) (37).

لم يكتف النيفر بكل هذه الأحكام التي لم يقدم عليها دليلا ثبوتيا واحدة، واكتفى بإطلاق العموميات؛ ليرمي آخر سهم من كنانه صوب ما يسميه التيار الأيديولوجي كلها قصرت همها على ((المعنى الجاهز)) مهملة علاقة الجدل بين النص، والقارئ والآفاق التي يفتحها لانطلاق جهود تفسيرية مجددة)) (38).

ولا أدري ما عسى المرء أن يقول في هذه الاتهامات؟ بل من أين يبدا مع هذا لحشد كله؟ وكيف يؤول في هذا الأمر الذي يشبه السجال؟

ليس ثمة شك في أن من العسير مواصلة النقاش الهادئ مع النيفر، وهو الذي دأب على إثارة الضباب، وتعتيم الأجواء، عبر ((مانشيتاته) الجاهزة أسير تخبط منهجي بائس فلو جاريناه ـ جدلا ـ في تصنيفه لاتجاهات ما سماه ((المدرسة التراثية)) أليس من حق الآخرين أن يطالبوه بالمعايير التي اتبعها في هذا التصنيف، لكي يضع هذا في خانة والآخر في خانة أخرى … وهكذا؟.

فإذا ما صح ان يصنف الالوسي ضمن التيار السلفي مثلا، فبأي معيار يسوغ له مثلا ان يضع الأفغاني، محمد عبده، وابن باديس، وشلتوت ... إلخ ضمن خانة ((السلفية المعاصرة))؟! اللهم إلا اذا كان النيفر يرمي من وراء ذلك حشر الفكر الإسلامي بكل تياراته في الإطار السلفي، وهذا ما يترشح من خلال أدبيات اليساريين والعلمانيين، على حد سواء.

وبالقدر نفسه يستبد بنا العجب العجاب، ونحن نتفحص نماذج ما أسماه بالتيار الأيديولوجي!

فأين هي معالم الأيديولوجية في تفسير الجواهر لطنطاوي، وهو التفسير الأقرب الى المنهج العلمي؟

وبأي المعايير حشر الكواكبي في التيار الأيديولوجي .. في حين كان ينبغي ان يصنف ضمن تيار المنار؟.

ومجاهدو خلق .. ما هي علاقتهم بمناهج التفسير؟ لا سيما وانهم لا يمثلون أي ثقل فكري أو معرفي؟!

أما حكاية ((شحرور)) وإسباغ المديح ـ ظاهرا أو ضمنا ـ فلا يعدو كونه تسطيحا فجا، إن لم يكن توظيفا لغايات بمنأى عن التفسير ومناهجه؟!

لقد كان قمينا بالنيفر ـ ومن يحذو حذوه في هذا الاتجاه ـ أن يوفروا على أنفسهم هذا العناء كله، ويعيدوا الأمور إلى نصابها. فبدلا ن هذا التصنيف غير المحايد، بل وغير النزيه في تصنيفاته .. أليس الأولى ان يرتب الدراسات القرآنية وفق المناهج المتعارف عليها، فالآلوسي وأضرابه يمثلون منهج الرأي، والسيد الطباطبائي المنهج الاحتجاجي، وطنطاوي المنهج العلمي، وسيد قطب المنهج الحركي، والخطيب المنهج الموضوعي .. وهكذا، ان النزعة الانتقائية المقصودة ـ والتي حاول النيفر إخفائها وراء ستار ذرائعي بأن بحثه ليس عملا استقصائيا ـ تثير الشكوك حول نزاهة البحث .. وإلا بأي مبرر يزج فيه النيفر أعمالا متهافتة، ويتجاوز نتاجات مشهود لها بالعمق والأصالة والتجديد، من أمثال:

• الظاهرة القرآنية: مالك بن نبي

• مقدمات في التفسير الموضوعي للقرآن: السيد محمد باقر الصدر (ولا يكفي ان يشيد الى هذا الجهد الخلاق إشارة عابرة في الهامش!).

• كيف نتعامل مع القرآن: الشيخ محمد الغزالي.

• القرآن والتاريخ: د. عبد العزيز كامل.

• تفسير القرآن بالقرآن: د. كاصد الزيدي.

• تفسير القرآن بالقرآن عند العلامة الطباطبائي: د. خضير جعفر.

• الطباطبائي ومنهجه في تفسير الميزان: علي الالوسي.

• القرآن والزمن: د. عماد الدين خليل.

• القرآن وعلم النفس: د. محمد عثمان نجاتي.

• عمارة السور القرآنية: د. محمود البستاني .. إلخ.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015