ولخطورة ما طرحه النيفر من آراء وأحكام بخصوص هذين المفسرين (بن عاشور والطباطبائي) فإن المجال أضيق من أن يتسع لمناقشة ما أورده، ويحتاج إلى وقفة تفصيلية خاصة، بيد أن هذا لا يعفينا من إبداء ملاحظة أساسية وهي ذات شقين، وان كان بينهما من التلازم شيء كبير، بمعنى أن الثاني متصل بالأول.

1ـ إن استخدام النيفر مصطلح ((السلفية)) تعوزه الموضوعية، بل والمنهجية؛ فالفلسفية تيار معروف بتوقفه، ولا نقول تحجره، إزاء النص بشكل حرفي، والى الحد الذي حشر فيه نفسه بمطبات كلامية وفلسفية صارخة.

2ـ وإذا ما سلمنا بهذا، فإن إقحام الطاهر بن عاشور والعلامة الطباطبائي،، في هذا الاتجاه أمر لا يخلو من أحد احتمالين، أو كليهما:

أ - إما النيفر لم يطلع بشكل معمق على التفسيرين، وما يحفلان به من انتصار للعقل ودعوة إلى تجاوز الفهم الموروث المتخلف، بل أن السيد الطباطبائي ذهب إلى مديات بعيدة، في هذا المضمار، والى الحد الذي اتهم فيه بانحيازه البعيد للعقل على حساب النص!!.

ب - وإما أن النيفر ينطلق في تقييماته ومواقفه من خلفية أيديولوجية متحسسة، ان لم تكن متقطعة مع الفكر الإسلامي الأصيل، الذي يعتمد نعته بـ ((السلفي)) في كل ثنايا البحث!!

وهذا ما يتجلى في أكثر من موطن، وخصوصا في رصده للتيار الثاني والذي أطلق عليه ((السلفية الإصلاحية)).

2 - التيار السلفي الاصلاحي (المنار)

عن هذا التيار يقول النيفر (يمثل اتجاه ((المنار)) تيارا متميزا ضم المدرسة التراثية ويعود تميزه إلى الاجتهادات النقدية الذي واجه بها التراث التفسيري، والى التصور الجديد الذي حاول أن يرسيه لمهمة المفسر. في ما عدا هذين المجالين نلاحظ أن تيار المنار لم يراجع المنهجية التراثية السلفية، فيما يتعلق بطبيعة النص القرآني، والخصوصيات المعرفية، والثقافية التي ينبغي أن تتركز عليها القراءة الحديثة؛ لذلك عددنا مفسري تيار المنار جزء من المدرسة الام: (المدرسة السلفية).

إن الجهود الإصلاحية التي بذلت لم تسجل تطورا نوعيا في الجيل الأول من الرواد، ولا فيما جاء بعده من أجيال، رغم انطلاقته لم تخل من جرأة)) (27).

وبصرف النظر عما ورد من أحكام، فإن الحاجة تظل قائمة للتعرف على رموز هذا التيار، لكي تتضح لنا أبعاد المنحى المغلوط الذي ينتهجه النيفر:

1ـ جمال الدين الأفغاني (1254هـ / 1838 م ـ 1314هـ/ 1897م) لم يترك أثرا مطبوعا في هذا المجال، وكل ما هو موجود آراء وأفكار ((لا يمكن أن تشكل نواة مشروع قراءة تفسيرية جديدة)) كما يقول النيفر (28).

2ـ محمد عبده: (1265هـ/ 1849م ـ 1323هـ/ 1905م)، ويتمثل نشاطه التفسيري بإلقاء دروس في التفسير بالأزهر، في الفترة الممتدة من (1899ـ 1905)، وقد حالت وفاته دون إكمال تفسيره، الذي توقف عند الآية (125) من سورة النساء.

3ـ محمد رشيد رضا: (1272هـ/ 1865م _ 1354هـ/ 1935م) وهو أبرز تلاميذ محمد عبده، واصل بعد شيخه تفسيرا لقرآن الحكيم المعروف بـ ((المنار)) دون أن يتمكن من إكماله، وهذا ما انبرى له بعده بهجت البيطار من علماء سورية.

يقول النيفر: ((معضلة تيار المنار هي أنه بشر ببعض الآفاق التجديدية لكنه ظل خطابا محاصرا متلجلجا لا يقوى على التحرير الفعلي من خصوصيات التراث السلفي)) (29).

4ـ محمد جمال الدين القاسمي: (1283هـ/ 1866م ـ 1333هـ/ 1914م) من أسرة دمشقية معروفة، له تفسير ((محاسن التأويل)) المتأثر بمحمد عبده.

5ـ محمد مصطفى المراغي: (1298 هـ/ 1881م ـ 1364هـ/ 1945م) من علماء مصر، لم يترك تفسيرا كاملا، أو شبه كامل بل اقتصر عمله التفسيري على دروس كان يلقيها بالأزهر وغيره.

6ـ عبد الحميد بن باديس: (1308هـ/ 1989م ـ 1359هـ/ 1940م) من أبرز علماء الجزائر المعاصرين. له تفسير غير كامل معروف بـ ((مجالس التذكير في كلام الحكيم الخبير)) وهو عبارة عن دروس وافتتاحيات مجلة الشهاب الجزائرية.

7ـ محمد عزة دروزة: (1305هـ/ 1888 م_ 1404هـ/1984م). من علماء فلسطين، له ((التفسير الحديث)). رتبه حسب نزول السور تاريخيا.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015