يبدو أخي الكريم أنك تفهم قول الله تعالى:" مصدقاً لما بين يدي .. " و"تصديق الذي بين يديه .. " تفهمها فهماً يخالف فهمنا وفهم أهل اللغة. وإليك في البداية نص الآية 46 من سورة المائدة:" وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقاً لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقاً لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين". لاحظ أخي أن لفظة مصدقاً تكررت مرتين في الآية الكريمة. الأولى تتعلق بعيسى عليه السلام، والثانية تتعلق بالإنجيل كما هو واضح، فإذا كان المعنى كما ترى فكيف تكون التوراة بين يدي الإنجيل. ولتوضيح المعنى أقول: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"عُدَّ بين يدي الساعة ... " أي قبل قيام الساعة هناك علامات هي كذا وكذا. ومصدقاً لما بين يدي من التوراة أي مصدقاً لما جاء قبلي من كتاب. والمسلمون كلهم يصدقون بكل الكتب التي سبقت وهذا من أركان الإيمان. وتصديقنا بصحف إبراهيم مثلاً لا يعني أنها موجودة الآن. أنت تفهم عبارة:" بين يدي" أن التوراة كانت مكتوبة بين يديه. وهذا غير صحيح لأن المعنى مصدقاً لما سبقني. ولو وافقناك على فهمك لكان حجة عليك، لأن عيسى عليه السلام يصدق ما بين يديه من التوراة التي علمها له الله ولا يصدق ما بين أيدي اليهود الذين كفروا به. فجاء هو يصحح وهم يكفرون كما نص القرآن الكريم، وهذا دليل على التحريف. وعندما تصر على القول إنها التوراة التي بين أيدي اليهود، لم تقل لنا اليهود السمرة أم اليهود غير السمرة، ام أنهم اليهود الذين آمنوا بوثائق قمران أم اليهود الذين آمنوا بوثائق قد تكتشف بعد حين؟!!

تقول أخي الكريم:" وأنا أقول إنه هو الحكمة التي أنزلها الله على قلب عيسى عليه السلام كما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم الحكمة (السنة)، .. " كأنك أخي تقول إن الإنجيل هو الحكمة كالسنة في الإسلام، فانظر الآية 110 من سورة المائدة: .. وإذ علمتكَ الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ... " ألا ترى أنه حسب كلامك هناك تكرار؟!!

وتقول أخي: ((فالله تعالى إذا ذكر كتابا أنزل قبل القرآن فإنه يقول: وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً "، لو كان للمسيح كتاب كالتوراة لذكر الأقرب زمنيا للقرآن ولقال: وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ عيسى))، وأقول رداً على هذا: 1. أنت تقول إن الإنجيل قد كتب وأنه موجود ككتاب فلماذا إذن لم يذكره القرآن؟!! أنت إذن تفند رأيك كما ترى. 2. انظر الآية 111 من سورة التوبة:" ... وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن .. " ألا تلاحظ مجاورة الإنجيل للتوراة والقرآن وليس لليهودية والإسلام. أي للكتب. وليس للدين. 3. أما الآية 17 من سورة هود والتي استشهدت بها آنفاً فلا تصلح دليلاً لأن جملة (من قبله) أي من قبل الإنجيل في تفسير الفراء أو الطاهر ابن عاشور. ومع الاحتمال يبطل الاستدلال. فارجع إلى تفسير التحرير والتنوير وتنوّر بكلام فحل مثل الطاهر ابن عاشور. 4. ولنقبل أن المقصود القرآن الكريم ولا بأس في ذلك الذي من قبله كتاب موسى إماماً: نعم لأن الإمام هو التوراة:" يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا" فهي تشريع تفصيلي جاء عيسى عليه السلام ليؤكد عليها و:"لأحل لكم بعض الذي حُرّم عليكم"، أما الإنجيل فمعناه البشارة: "مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد"، ومن هنا تجد أن النصارى يضعون التوراة المحرفة أولاً ثم الإنجيل المحرف. وتلاحظ أيضاً أن النصارى يقرون أن الأناجيل لم تفصل الأحكام الشرعية بل هو مواعظ أخلاقية ومسائل إيمانية، وهذا ما يدعوهم إلى فصل الدين عن الدولة:" دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله". فالكلام إذن عن الإمام.

وتقول أخي: ((باستشهاد ولو كان مثلجا يثبت أن الله جعل كلمة الذين كفروا هي العليا فحرفوا وحيه وأمسكوا رحمته عن الناس رغم أن الله يقول: مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا)) أقول: ما ضرورة هذه الرحمة وقد نزلت الرحمة الكبرى المتمثلة بالإسلام. وما ضرورة بقاء الرسالة الخاصة بعد نزول العامة؟!! فعندما أنزل الله تعالى الإنجيل على عيسى عليه السلام علمه أيضاً التوراة وذلك لأنها الأمة الخاصة والإنجيل لم يأت بتشريعات. أما عندما أنزل الله تعالى الرسالة العامة على محمد صلى الله عليه

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015