مئات الخبرات العلمية في فنون الدراسات القرآنية واللغوية والفقهية والحديثية وغيرها.

ولكن يعوزنا الجانب المادي كثيراً فلم نتقدم خطوات جادة في هذا السبيل، وكلُّ ما تحقق حتى الآن فهو بتوفيق الله ثم بجهودٍ فرديةٍ قليلة من الفضلاء المشرفين والأعضاء من أمثالكم.

نسأل الله أن ييسر الأمور، وأن يكلل الجهود بالنجاح.

وما دمتَ قد فتحتَ باب الباب المفتوح، فدونك قصيدةً أحبُ الترنمَ بها كثيراً، وجزى الله من دلني عليها خيراً، وهو الصديق العزيز الدكتور عبدالرحمن فايع الأستاذ المشارك في قسم الفقه بكلية الشريعة بأبها.

فقد كنت وإياه يوماً نتذاكر الأدب والشعر في إحدى الأمسيات في أبها سقى الله أيامها صوب العهاد. فقال: هل تعرف القصيدة التي مطلعها:

كُلُّهمْ في الهوى يُزَيِّنُ دينَهْ = ألفُ مُفتٍ ومالكٌ في المدينة

قلت: الذي أعرفه أنه الشاعر المصري المحقق أحمد الزين رحمه الله، وهي من أجمل القصائد وأبدعها، وكنت قد قرأت بعضها في كتاب (معركة المصحف) للشيخ محمد الغزالي رحمه الله.

قال: فهل تعرف قصيدته الأخرى:

يا لسانَ الحقِّ لا تنطلقِ = فازَ بالحُظوةِ أَهلُ المَلَقِِ

قلتُ: أما هذه فلا. فذكر لي شيئاً من أبياتها، ثمَّ قيدتُ هذه الأبيات التي سمعتها منه، وبحثت بعد ذلك عن ديوان أحمد الزين، فلم أجده إلا ذات يوم وأنا أتجول في المكتبات التي حول الأزهر في القاهرة عام 1415هـ، فإذا بالديوان في طبعته القديمة الوحيدة عام 1372هـ، التي قدم لها الأديب الكبير أحمد أمين رحمه الله.

ولا أنسى فرحتي بذلك الديوان، وبحثي أول ما وجدته عن قصيدتيه تلك، ويعلم الله أنني أفرح بالعثور على كتاب جديد أو قصيدة جديدة أو معلومة جديدة فرحاً لم أجد له ما يعادله في حياتي بغيرها، وأنا من ساقة طلبة العلم، فكيف بحال أهل الانقطاع والتلذذ بالعلم من العلماء!

ودونكم يا أخي فهد هذه القصيدة البديعة، التي تصور حال مصر في عهد الأديب العلامة أحمد الزين رحمه الله وهي قصيدة مليئة بالتبرم من حال الناس في زمانه، وليس الناس في زماننا إلا كزمانه والله المستعان:

يا لسانَ الحَقِّ لا تَنْطَلِقِ = فازَ بالحُظُوةِ أَهلُ المَلَقِ

عَلِّمونا يا أُولي الحُظْوَةِ ما = قَدْ عَلِمْتُمْ مِنْ طِلاءِ الخُلُقِ

وامنحونا ذلك الصِّبْغَ الذي = يُظْهِرُ الحُسْنَ ويُخْفي ما بَقِي

أو فُدُلُّونا على صُنَّاعِهِ = نَجتليهِ ببقايا الرَّمَقِ

أيُّ صبغٍ ذاكَ ما أَعجَبَهُ! = صادقُ الغِشِّ وإِنْ لم يَصدُقِ

ألبسَ الشمسَ ظلاماً دامساً = وكسا الإظلامَ شَمْسَ المشرقِ

علِّمونا نَصِفِ المرءَ بِما = ليس فيه، مَنْ يُنافِقْ يَنْفُقِ

يَمنحُ الفطنةَ أغبى خَلقهِ = والذكاءَ المَحْضَ رأسَ الأحمقِ

إنْ سِمعنا ناهقاً قُلنا لهُ = إيهِ يا مَعبدُ بالصَّبِّ ارفُقِ

نكذبُ الدهرَ كما يَكذبُنا = بِئْرُ مَيْنٍ فاسقِ منها واستقِ

كمْ كِفاياتٍ نفاها قومُها = وجُهُودٍ أُلقيتْ في الطُّرِقِ

وُضِعتْ في موضعِ النَّعلِ ولو = أنصفوها وُضعتْ في الحَدَقِ

ولو وقفنا مع كل بيت من أبياتها لطال بنا الحديث، وحسبك منها البيتان الأخيران، فما أدلهما على حال أمتنا التي تشتت فيها الجهود، وتسربت عقولها بسبب الإهمال والتجاهل. وقد كان أحمد الزين رحمه الله يعاني شيئاً من هذا على نبوغه وتميزه، فقد كان مصححاً في دار الكتب المصرية مع كونه كفيفاً، ولو تأملت تحقيق كتاب نهاية الأرب للنويري لوجدت أجود الأجزاء هي التي حققها وأشرف عليها رحمه الله، كما حقق الإمتاع والمؤانسة للتوحيدي وغيره مع أحمد أمين. وله قصص طريفة جداً ذكرها له الأستاذ الأديب محمد رجب البيومي حفظه الله في كتابه الماتع حقاً طرائف ومسامرات.

وأكرر شكري لكم أخي فهد على هذه الاستثارة، وليت الزملاء يتفاعلون مع دعوتك بالمشاركة المميزة التي لا تجدها في غير الملتقى، من تجاربهم الخاصة وتأملاتهم الأدبية والفقهية، وعندهم خير كثير.

ـ[خالد الباتلي]ــــــــ[24 Oct 2008, 02:16 م]ـ

لله درك يا أبا عبدالله، ما أجمل فوائدك، وأبهى فرائدك، فدونك مثل هذه الملح والنوادر تعاهدنا بها بين الفينة والأخرى فإن لها مذاقا يفوق الشهد في حلاوته.

ـ[فهد الجريوي]ــــــــ[27 Oct 2008, 05:02 م]ـ

سبحان الله لم أقرأ مثل هذا من قبل زادك الله ألقاً.

أخي العزيز الشيخ عبدالرحمن لا أقول فيما أوردتم إلا كما قال القائل:

كتاب رأيت الحسن فيه مفصلاً = كما فصل الياقوت في الدر ناظمه

وكان له نشر يفوح وبهجة = كما افتر عن زهر الرياض كمائمه

تضاعف عندي منه حين قرأته = من الشوق والتبريح ما الله عالمه

وتأملت ما أهدي لك فلم أجد إلا:

ولقد نظرت فما وجدت هدية = تهدى إليك سوى الدعاء الصالح

فهديته وعلى الإله قبوله = وقرنته لك بالدعاء الفالح

أختم شكري الجزيل لك بمداعبة شعرية مهداة إليك:

راقب الله بقلبي = قبل أن أقضي نحبي

حلمي أن نتلاقى =بعض يوم ثم حسبي

أنت لي خير جليس = رغم أنف المتنبي

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015