الحوار الهادئ يفتح القلوب للحق والإذعان له ويجعل الكلام يؤثر في النفس، بينما القسوة والغلظة تجلب النفور وتؤدي إلى ابتعاد الناس عن صاحب الدعوة والمحاور، ولذلك وصف الله تعالى رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام بأنه بعيد كل البعد عن القسوة والغلظة فقال: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) [80]

وهذه الآية الكريمة تكشف عن مفتاح مهم من مفاتيح نجاح دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيطرتها على النفوس والقلوب، وفي سيرته عليه الصلاة والسلام أسوة حسنة لكل داعٍ ومحاور في الالتزام بالحسنى خلال الحوار وتجنب كل أنواع الغلظة والمواقف العنيفة.

وفي آية أخرى أمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين بمحاورة أهل الكتاب بالحسنى فقال جل وعلا: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) [81]

ب-الصبر والحلم:

ومن أخلاقيات الحوار أن يتسم المحاور المسلم بالصبر والحلم والابتعاد عن الغضب، وألا يستفز مهما كان الموقف، قال تعالى آمرا نبيه عليه الصلاة السلام بالعفو عن الناس وترك الغلظة عليهم: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [82]

ولا شك أن العفو أعلى درجة من كظم الغيظ ورد الغضب؛ لأن العفو هو ترك المؤاخذة وطهارة القلب والتسامح مع المسيء ومغفرة خطيئته.

ج-الرحمة والشفقة:

ومن أدب الحوار وأخلاقياته في القرآن الكريم أن المحاور المسلم يجب أن يكون حريصا على ظهور الحق وشفيقا على من يحاوره؛ لأنه يسعى لهداية الآخرين واستقامتهم، ولا يجوز له أن يجعل الحوار وسيلة للانتقام والكيد وفرصة للتنفيس عن الأحقاد ونشر العداوة والغل.

الشفقة والرحمة خير وسيلة يتخذها المحاور للنفوذ إلى عقل الطرف الآخر وقلبه، ولذلك قال تعالى مخاطبا رسوله الكريم: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) [83]

وهذه الرحمة والشفقة على الآخرين كان من دأب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والصالحين من أتباعهم في التعامل والحوار مع المخالفين، فهذا مؤمن آل فرعون يصرح لقومه بالرحمة والشفقة والخوف عليهم في أكثر من موقف:

قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ) [84] كما قال تعالى حكاية عن مؤمن آل فرعون: (وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ) [85]

فالمحاور المسلم رفيق وشفيق على الطرف الآخر؛ لأنه يريد الخير له ولمن وراءه وذلك من خلال بيان الحق والوصول إليه فهو حريص كل الحرص أن يتخذ كل وسيلة شرعية ونبيلة لتحقق هذا الغرض، ومن هذه الوسائل الرحمة والرأفة والشفقة التي يجب عليه التحلي بها في جميع المواقف.

د- مقابلة السيئة بالحسنة:

ومن أخلاقيات الحوار في القرآن الكريم كون المحاور المسلم يقابل الشدة بالرأفة، وفحش الكلام بطيبه، ويرد الكلمة الجارحة بالكلمة اللينة ويدفع الاحتقار بالاحترام، قال تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [86].

فهذا أمر صريح من الله تعالى للداعية والمحاور المسلم بأن يكون في مستوى أرفع أثناء حواره مع الآخرين، وذلك بالترفع عن الانتقام ومعاملة المثل بالمثل في فحش الكلام والشدة والاحتقار والسخرية، ولا شك أن ذلك لا يتأتى إلا باتصاف المحاور المسلم بالصبر والحلم والبلوغ إلى درجات عليا من الخير والخلق الحسن.

10 - توخي العدل والإنصاف:

الإسلام دين العدل وأكد الالتزام بالعدل والإنصاف في المواقف كلها، قال الله عز وجل آمرًا المؤمنين: (اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [87] وقال تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ) [88]

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015