وفي موقف آخر يطالب القرآنُ المشركين بالبرهان عندما يعبدون مع الله آلهة أخرى، (أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) [70].

وفي موقف مشابه آخر ينكر القرآن في صيغة التعجب والإنكار اختلال الموازين لدى المشركين حول قضايا الإيمان بالله والملائكة فيقول: (مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ) [71].

ويمنع القرآن الكريم من الخوض والجدال في آيات الله بغير علم فيقول: (الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) [72] ويقول أيضا: (إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [73].

ويذكر القرآن تفاهة العقائد والآراء التي لا تستند على دليل ولا برهان فيقول في معرض الرد على المشركين: (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى) [74].

ومما ينبغي الالتفات إليه في هذا الصدد أن عددا من الآيات المتعلقة بالحوار في القرآن الكريم يبدأ بفعل الأمر "قل" ومن خلال تدبر مضامين هذه الآيات الكريمة يتضح أن الله – جلّ وعلا-يأمر نبيه - عليه الصلاة والسلام - وأمته بإقامة الدليل ويعلمهم طرق ذلك أثناء الحوار مع الآخرين [75].

ولن يكون دليل وبرهان إلا بالعلم بموضوع الحوار وأبعاده، ولذلك كان العلم أصلا وضابطا آخر للحوار في القران الكريم.

8 - العلم:

لا يخفى شرف العلم وفضله في القرآن الكريم وكذلك مكانة العلماء وطلبة العلم، فالعلم طريق الإيمان ودليل التوحيد الذي هو أصل الأصول في أمور الدين كله .. قال تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) [76].

ومن يتصدى للحوار مع الآخر لا بد له من التسلح بالعلم، خاصة العلم بموضوع الحوار وتشعباته؛ لأن الجهل بموضوع الحوار وأساسياته يؤدي بالمحاور إلى الجدال في شيء لا يدرك جذوره وخلفياته وأبعاده، كما أن على المحاور أن يكون مدركا لوجهة نظر الطرف الآخر حتى لا يتكلم في أمور خارجة عن دائرة موضوع الحوار، وقد جعل القرآن الكريم العلم من الأمور الضرورية التي يجب توفرها في المحاور، وعاب على من يجادلون في الأمور بغير علم، قال تعالى:) وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ) [77]

كما أمر الله - عزّ وجل - المسلمين أن يحاوروا بعلم وبصيرة وهدى فقال: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي) [78].

وغني عن القول أن المحاور المسلم يجب أن يكون على دراية بالعلوم الشرعية من القرآن والسنة؛ لأن الكلام في الدين وبيانه والدفاع عنه يستلزم ذلك بلا شك.

9 - الالتزام بالأخلاق الحسنة:

من الأصول التي يضعها القرآن الكريم للحوار مع الآخر التزام المحاور المسلم بالأخلاق الحسنة خلال الحوار، ونذكر بعضها بإيجاز:

أ- المحاورة بالحسنى:

من أهم وأبرز أخلاقيات الحوار حسب ما جاء في القرآن الكريم التزام المحاور المسلم بأصل الحوار بالحسنى والابتعاد عن الغلظة والقسوة والعنف أثناء المناقشات.

قال تعالى: (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [79].

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015