وينفرد "الدكتور/ رمضان السيد" في كتابه ــ تاريخ مصر القديمة، الجزء الثاني ـ بنظرة تحليلية للفقرة التي وردت في نص لوحة مرنبتاح ــ نرجحه ونميل للآخذ به ـ فيذكر: مما يؤسف له أن أغلب العلماء عندما يتعرضون لهذه الفقرة في كتاباتهم يترجمون كلمة "يزريل بـ إسرائيل" وهذا ما يخالف في رأينا قراءة وترجمة الكلمة على هذا النحو. لذلك فمن الأفضل قراءتها وترجمتها بـ "يسيرارو" والمقصود بهذه التسمية في رأينا سكان أو قبائل سهل "يزريل" أو "جزريل" ـ الذي ذكرته التوراة تحت اسم اسدرالون ( Jezreel) ، وهو مرج ابن عامر من الناحية الشرقية الشمالية من جبال الكرمل والذي يمتد من حيفا غرباً إلى وادي الأردن الغور ـ ومن ناحية أخرى فإن ترجمة الاسم بـ "إسرائيل" يخالف ما كان سائداً من أوضاع سياسية في فلسطين في عصر الأسرة التاسعة عشرة وما قبلها، لأن ترجمة الكلمة بـ "إسرائيل" يعنى وجود أرض مملكة إسرائيل على أرض فلسطين في بداية هذه الأسرة أو قبل قيامها بفترة. وهذا لم تشر إليه النصوص من هذه الفترة.
ويبدو أن جيش مرنبتاح قد اتخذ الطريق الدولي القديم الذي يمكن تتبعه من دلتا النيل وعلى ساحل سيناء حيث يتفرع إلى مناجم النحاس والفيروز في شبة جزيرة سيناء ومن سيناء يتجه الطريق شمالاً نحو ساحل فلسطين حتى جبال الكرمل على مسافة من البحر. ومن هنا يتفرع إلى طريقين يتجه الواحد إلى الساحل فيصل صور وصيدا وجبيل وسائر المواني الفينيقية. ويسير الأخر إلى الداخل فيجتاز سهل مجدو ويعبر الأردن في واديه الشمالي ثم يتجه رأساً إلى دمشق في الشمال الشرقي.
وكما يحدثنا نص مرنبتاح أن جيش الملك بدأ بمعاقبة كنعان ويقصد بها هنا مدينة غزة ثم عسقلان وهما يقعان على الساحل الجنوبي لفلسطين، ثم سار إلى وادي الأردن أو منطقة مرج أبن عامر ( صلى الله عليه وسلمsdraelon) أي اجتاز فلسطين بأكملها وتقابل مع سكان أو قبائل سهل جزريل أي في المنطقة التي تفصل بين تلال الجليل في الشمال عن مرتفعات فلسطين في الجنوب. ويلاحظ أن الكاتب المصري قد اتبع الترتيب الجغرافي أي ذكر مدن جنوب الساحل ثم الموجودة في الداخل في الشمال الشرقي.
ثانياً: مما يؤسف له أيضاً أن أغلب العلماء يسمون هذه اللوحة بـ "لوحة إسرائيل". وهذا يخالف ما جاء على وجهي اللوحة من نصوص. فهي تحتوى في وجهها الأمامي على نص من عهد الملك "أمنحتب الثالث" يسجل فيه أعمال له بالنسبة لمعابد طيبة وخاصة معبدي الأقصر والكرنك. وعلى ظهرها يوجد نص مرنبتاح، ولهذا فمن الأفضل تسميتها إما بـ "اللوحة ذات النصين" أو "لوحة انتصارات أمنحتب الثالث ومرنبتاح" أو "نص البر الغربي لأمنحتب الثالث ومرنبتاح" عند الحديث عن أعمال أحدهما.
ثالثاً: يلاحظ أن كلمة "يزريل" بها مخصص العصا المعقوفة وهو المخصص نفسه الذي نجده في أسماء الشعوب الأجنبية. وأضاف كاتب النص إلى الكلمة أو الاسم مخصص الرجل الجالس والمرأة واتبعهما بثلاثة شرط علامة الجمع.
ونلاحظ أيضا خلو الكلمة أو الاسم من أية مخصصات للمكان (الجبل أو المدينة) مما يدل على سكان البلاد الأجنبية والذي نجده في أسماء بعض المدن الفلسطينية مثل كنعان وعسقلان وجزر وينعم. ونلاحظ كذلك أن في أسماء هذه المدن الأخيرة يوجد مخصص العصا المعقوفة والجبل معا مما يعنى أنها تخص ممالك أو دول وشعوبها أو مدن سكانها. ولهذا فإن غياب مخصص الجبل أو المدينة من كلمة "يزريل" يدل على أن التسمية يراد بها أقوام كانت تعيش في مناطق الحواف الجنوبية لسهل جزريل شرق شمال جبال الكرمل ولهذا لم يربطهم النص صراحة بمدينة أو بمنطقة جبلية داخل فلسطين نفسها، وذلك يعنى أيضا أنهم كانوا أقواماً في حالة ترحال وتنقل دائمين. أو كانوا من سكان مناطق السهل المتاخمة للحدود مما تؤكده علامة الحدود في الاسم. ومما يدل على أن الحديث هنا في كلمة "يزريل" عن سهل، هو المصطلح المصري القديم: bnprf.f أي "لم يعد له بذور" حيث أن الزراعة لا تنمو إلا في مناطق السهول. كما أن الكاتب المصري استخدم الضمير المتصل للشخص الثالث الغائب المذكور المفرد للدلالة على الملكية "له" ولم يكتب "لهم".
¥