دونما حياء وبلا استحياء يشير بعض الباحثين الغربيين ووالاهم في ذلك السادة أصحاب وحراس الفكر الآسن من الأكاديميين العرب، إلى وجود ذكر لبني إسرائيل على نصب وجد في طيبة يعود إلى السنة الخامسة من حكم مرنبتاح (1230 ق. م)، وتقع هذه الكلمة في السطر السابع والعشرين، فمنذ العثور على النصب اعتقد الكثيرون بعناد مثل عناد الحمير!؟ أن النص يشير إلى وجود بني إسرائيل في فلسطين، ولكن هذا الرأي لم يجد أي سند من التاريخ وظلت الآثار المصرية والعراقية والفلسطينية على صمتها تجاه هذا الأمر. فكيف توصل باحثونا الأجلاء إلى هذا الاستنتاج!؟ قام علماء اللغة والآثار بترجمة الجملة التي جاء فيها ذكر بني إسرائيل حسبما يزعمون بأوجه مختلفة ننتخب منها ما يأتي:

(1) دمرت إسرائيل ولم يعد لبذرتها وجود ..

(2) لقد أبيدت إسرائيل واستؤصلت ..

(3) إسرائيل أقفرت وليس بها بذرة ..

(4) خربت إسرائيل، ولم يعد لأبنائها وجود ..

(5) قضي على إسرائيل، ولكن لم يتم القضاء على ذريتها ..

(6) وقوم إسرائيل قد أتلفوا، وليس لديهم غلة ..

(7) وإسرائيل قد محي وبذرته لا وجود لها ..

لقد بدأ لوحة مرنبتاح يكتسب أهمية خاصة في الجدل الدائر مؤخراً، فالإشارة إلى إسرائيل (كما فسرها أصحاب الفكر الآسن) التي تظهر في تراتيل الانتصار على الليبيين، أصبحت مركز الاهتمام في الدفاع عن إسرائيل التوراتية المزعومة في مواجهة النزعة التشكيكية لدى أصحاب حركة البحث الجديد في إسرائيل القديمة .. ولكن تظل مسألة الربط الواضح وغير المشكوك فيه بين الكيان المذكور في لوحة مرنبتاح الحجري وبين إسرائيل التوراتية المزعومة كما يراها "بيمسون" بحاجة إلى إثبات.

وإذا كان مؤرخونا الأفاضل أصحاب الفكر الآسن، لم يشككوا لحظة فيما تلقنوه، بل رددوه كببغاء في صالون المتحف، فإن نبلاء الضمير من المفكرين الغربيين لم يسعه السكوت على هذا الكذب التاريخي، فيعقب المفكر الغربي "بير روسي" في كتابه القيم ـــ مدينة إيزيس ـــ على هذا النص قائلاً: "إن المفسرين اندفعوا بشراهة نحو كلمة إسرائيل لكي يتلمسوا فيها الدليل الذي لا يمكن دحضه على وجود مملكة إسرائيل، أو شعب إسرائيل، والواقع أن معني الكلمة يفلت من كل محاولة لتحديد أصوله، زد على ذلك أن فيها ما يسميه علماء القواعد الكلمة التي وردت للمرة الوحيدة في نص، فليس لدينا مثال آخر في مدونة مكتوبة. ولنضف إلى ذلك أنه، بصورة مستمرة، ومنذ الألف الثاني قبل الميلاد حتى زمن البطالمة كانت أرض فلسطين تميز بالتعبير عمورو. وأنه من المستحيل اليوم، ومع التدقيق، أن نجد معنى قومياً أو جغرافياً لكلمة إسرائيل".

ويعلق العالم "كيث وايتلام" في سفره الرائع - اختلاق إسرائيل القديمة إسكات التاريخ الفلسطيني - لوح مرنبتاح قائلاً: .. أن هذه اللوحة لا تقدم دلائل ملموسة على طبيعة إسرائيل القديمة وموقعها، أو علاقتها بالأحداث والقصص التي جاءت في عده مواقع من التوراة العبرية. وتنصب المشكلة على مغزى ومعنى التحديد الذي جاءت به النقوش المصرية حول إسرائيل ومقارنتها بكيانات أخرى أو مواقع أخرى ذكرت في السياق نفسه. ويبدو أن إسرائيل مميزة بأسماء المناطق: عسقلان، جازر ــ جيزر، وينعم برمز للتمييز يُُستعمل في مواضع أخرى لتحديد "الشعب" أو "شعب غريب". وقد استعملت هذه السمة لتدعيم الكتابات التاريخية المتخيلة لكل من "أولبرايت" و"ألت"، والتي تقول إن قبائل إسرائيل جاءت من خارج فلسطين، مما يدل على أنها مجموعة بدوية، كانت على ما يبدو تتجه نحو الاستقرار، بالإضافة إلى التصورات الأخيرة التي جاء بها "ألستروم" و"كوت" والتي تعرض فكرة كون إسرائيل شعباً أصلياً في المنطقة. يبدو بوضوح أن هناك بعض الاختلافات، ولكن الاستنتاجات المسرفة والمتعارضة في كثير من الأحيان، والتي استخلصت من هذه الدلائل المغرية تبتعد كثيراً عن الدلائل المتوافرة. فأقصي ما يمكن أن يكشف عنه النقوش هو أن إسرائيل كانت موجودة في المنطقة في ذلك الوقت ومن الممكن أن يكون لها دور مهم نسبياً. ولكن يصعب جداً استعمال هذه النقوش لدعم النظريات المفصلة والادعاءات المفرطة التي بُنيت عليها.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015