فلما تم استخراج عظام يوسف عليه السلام، والعظام هنا كناية عن جثمانه، فيطلق الجزء ويقصد به الكل، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء)، إذا الطريق مضيء مثل ضوء النهار، أي أن الوقت كان لا يزال ليلا لم تذهب عتمته بعد، فهذه امرأة عجوز معهم ثقيلة الخطوات، وفي الوقت نفسه يحملون معهم جثمان يوسف عليه السلام، قال ابن كثير: (وأن موسى سأل عن قبر يوسف عليه السلام فدلته امرأة عجوز من بني إسرائيل عليه فاحتمل تابوته معهم. ويقال إنه هو الذي حمله بنفسه عليه السلام). وهذا كله يجعل مسيرتهم بطيئة جدا، ويعطلهم عن الفرار من فرعون وجنوده.
إذا فيوسف عليه السلام غير مدفون في مصر، والله تعالى أعلى وأعلم أين تم دفنه بعد استخراج جثمانه من مصر، ولا يزال مجهول لدي سبب طلب يوسف عليه السلام استخراج عظامه من مصر. لكن من الواضح أن بني إسرائيل استقر مقامهم في مصر، واجتمعوا حول أبيهم يعقوب عليه السلام حين حضره الموت، (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [البقرة: 133]، فهل دفن يعقوب عليه السلام في مصر؟ وإن دفن فهيا وليس خارجها؟ فلما لم يطلب استخراج عظامه كما فعل يوسف عليه السلام؟ أسئلة بحاجة إلى بحث.
ولاحظ أيضا قوله صلى الله عليه وسلم (فانطلقت بهم إلى بحيرة، موضع مستنقع ماء)، فلا يمكن أن يكون القبر قد حفر في الأصل تحت بحيرة أو مستنقع، مما يدل على أن موضع القبر كان جافا حين دفنوا فيه جثمان يوسف عليه السلام، لكن يبدو أن البحيرة أو المستنقع تكون مما تخلف من الطوفان الذي ابتلاهم به الله تعالى، قال تعالى: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ) [الأعراف: 133].
وهذا الطوفان يذكرنا بطوفان قوم نوح عليه السلام، قال تعالى: (فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ) [العنكبوت: 14]، ففتح الله عليهم أبواب السماء بالمطر، وفجر الأرض عيونا، فاجتمع عليهم ماء السماء وماء الأرض، قال تعالى: (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) [القمر: 11، 12]، حتى صار الموج عاتيا كالجبال، قال تعالى: (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ) [هود: 42].
http://www8.0zz0.com/2008/09/11/19/107816583.jpg
فمن الراجح لدي أن الطوفان لم يتم بسبب الأمطار الغزيرة، إنما بسبب طوفان من البحر الأحمر، وقد رأينا في زماننا طوفان "تسانومي" وما خلفه من دمار ماحق، وبكل بد فطوفان البحر أشد قوة وتدميرا من طوفان الأمطار، فإن صح أنه كان طوفانا من البحر، فإنه يؤكد أن مدينة مصر كانت تقع على شاطئ البحر.
http://www8.0zz0.com/2008/09/11/19/837193181.jpg
فإن سلمنا أنه طوفانا عن طريق المطر، لأطلق عليه لفظ (سيل)، كما قال تعالى في قصة سبأ: (فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ) [سبأ: 16]. ولم يقل: ((فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ)، خصوصا وأن جبال عسير تنهمر عليها أمطار موسمية تنحدر في وديانها، فمهما زادت غزارة السيول فسوف تتجمع لتجري في مسيلها على هيئة أنهار تصب في البحر مباشرة، بحيث يحدد المسيل مسارها، فلا تدمر ما تمر به من مزارع وبيوت.
وهناك حديث مرسل عن سعيد بن جبير رضي الله عنه أشك في صحة متنه، ذكر فيه اسم القبط، وأنهم من كان يقيم بنوا إسرائيل بينهم، (أمر موسى قومه من بني إسرائيل، وذلك بعد ما جاء قوم فرعون الآيات الخمس، الطوفان وما ذكر الله في الآية – يعني قوله تعالى: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ ... ) فلم يؤمنوا ولم يرسلوا معه بني إسرائيل، فقال: ليذبح كل رجل منكم كبشا، ثم ليخضب كفه في دمه، ثم ليضرب به على بابه، فقال القبط لبني إسرائيل: لم تجعلون هذا الدم على أبوابكم؟ فقالوا: إن الله يرسل عليكم عذابا يقتلكم وتهلكون. فقال القبط: فما
¥