يعرفكم الله إلا بهذه العلامات! فقالوا: هكذا أمرنا نبينا، فأصبحوا وقد طعن من قوم فرعون سبعون ألفا، فأمسوا وهم لا يتدافنون، فقال فرعون عند ذلك لموسى عليه السلام: (ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ ... ) وهو الطاعون (لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ) فدعا ربه فكشف عنهم). ولكن ما يطعن في صحة الحديث ويبطل متنه أن تخضيب أبواب البيوت هي طقوس وثنية موغلة في القدم، ولا زالت تمارس حتى يومنا هذا، فلا يصح أن يأمر موسى عليه السلام بممارسة مظاهر وثنية.

مصر تقع على مصب أنهار:

من يدرس جغرافيا مصر وادي النيل سيجد أنها صحراء قاحلة، يتخللها نهر واحد فقط هو نهر النيل، وعند مصب النهر في البحر الأبيض المتوسط يتفرع النهر إلى فروع عديدة حسب الخرائط القديمة، لم يبقى منها اليوم إلا فرعان فقط هما فرع دمياط وفرع رشيد. حيث يتفرعان في محافظة القليوبية، عند القناطر الخيرية على مسافة تبعد 22 كيلو مترًا أقصى شمال القاهرة الكبرى.

http://www9.0zz0.com/2008/09/11/19/230152985.jpg

بينما عاصمة شمال مصر كانت (ممفيس) أو (منف) أسسها عام 1300 قبل الميلاد الملك "نارمر"، وكانت عاصمة لمصر السفلى, ومكانها الحالي بالقرب من منطقة سقارة على بعد 19 كم جنوب القاهرة. وكانت منف معروفة باسم "الجدار الأبيض" حتى القرن السادس والعشرين قبل الميلاد إلى أن أطلق عليها المصريون اسم "من نفر" وهو الاسم الذي حرفه الإغريق فصار "ممفيس". وهي المفترض أن يوسف وموسى عليهما السلام أقاما فيها حسب القول الرائج اليوم.

في ضوء ما ذكرناه عن جغرافيا مصر وادي النيل سابقا، سنجد أنه يتعارض تماما مع الوصف الجغرافي الدقيق لمصر المذكورة في القرآن الكريم، قال تعال: (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلاَ تُبْصِرُونَ) [الزخرف: 51]، هنا يذكر فرعون وجود أنهار تجري من تحته، وليست نهرا واحدا كما في مصر، فإن كانت مصر مدينة ساحلية، تطل على البحر، فحتما كان الساحل مصب لروافد النهر، أو أنهار عديدة، فإن كانت المدينة المقصودة هي "منف"، فإنها بعيدة جدا عن مصب نهر النيل، ولا تطل على أفرع أو روافد قديمة له، بل يجري أمامها نهر واحد فقط لا أنهار ولا أفرع متعددة له.

وقد فسر بعض المعاصرين الأنهار هنا بالترع والمصارف التي تم شقها عن نهر النيل، والحقيقة أن شق الترع والقنوات وبناء والقناطر الخيرية كان في عهد "محمد علي"، ومن قبله كان فيضان النيل يسفر عن برك من الطين والوحل كانت تصل حتى "نزلة السمان" أسفل هضبة أهرامات الجيزة، وهي مسافة عريضة جدا. وعليه ففي زمن الفراعنة لم يكن هناك أنهار حسب وصف فرعون في القرآن الكريم.

http://www8.0zz0.com/2008/09/11/19/986610512.jpg

أما في عسير، فهناك أنهارا موسمية، تنحدر من الجبال وتجري في الأودية لتتشعب الأنهار إلى أفرع عديدة تصب في ساحل البحر الأحمر. وهذا يتفق مع الوصف الجغرافي المذكور على لسان فرعون.

مصر مدينة متحضرة:

مسألة هامة يجب أن نضيفها، أن مدينة مصر المذكورة في القرآن لابد أن تكون مدينة شاسعة المساحة، مترامية الأطراف، وليست مجرد قرية صغيرة محدودة المساحة، لأن روافد الأنهار الموسمية تتطلب مساحة كبيرة من الأرض لكي تجري فيها، ومساحة تكفي المساكن والبيوت. فمن الواضح أنها كانت مدينة تعيش في رغد من النعيم، وترف من العيش، فقد جمعت بين الأنهار بمائها العذب الوفير، وبين البحر بأسماكه المتنوعة، وكنوزه الوفيرة، وكانت ميناءا بحريا تجبى إليه البضائع والسلع من شتى بلدان العالم.

فقد جاء في سورة يوسف وصف لما كان عليه أهل مدينة مصر من رغد وتمدن، فكانوا يجلسون على متكئات، وكانوا يستخدمون السكين في تقشير الفواكه التي تفد إليهم من خارج المدينة، فالمدن لا حقول ولا مزارع فيها، قال تعالى: (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا) [يوسف: 30].

وكان الأسياد منهم لهم خدام متخصصين في سقايتهم الشراب والخمر، قال تعالى: (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا) [يوسف: 41].

وكان الأثرياء منهم يعيشون في قصور ذات غرف عديدة، وأبواب كثيرة بمغاليق، قال تعالى: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) [يوسف: 23].

قال تعالى: (وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ) [الأعراف: 137] قال ابن كثير: (أي وخربنا ما كان فرعون وقومه يصنعونه من العمارات والمزارع (وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ) قال ابن عباس ومجاهد (يَعْرِشُونَ) يبنون).

وقال تعالى: (فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ) [الشعراء: 57: 59].

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015