يقول د. توفيق الطويل: " ينسب التفكير العلمي إلى المشتغلين بالعلم الطبيعي. ويراد اليوم بالعلم الطبيعي كل دراسة تصطنع منهج الملاحظة الحسية، والتجربة العلمية إن كانت ممكنة، وتتناول الظواهر الجزئية في عالم الحس، وتستهدف وضع قوانين لتفسيرها، بالكشف عن العلاقات التي تربط بينها وبين غيرها من الظواهر وصياغة هذه القوانين في رموز رياضية، وذلك للسيطرة على الطبيعة والإفادة من مواردها وتسخيرها ظواهرها لخدمة الإنسان في حياته الدنيا".

ويفصل د. توفيق الطويل القول في خصائص التفكير العلمي، التي يمكن تلخيصها على النحو التالي:

1 - البدء بتطهير العقل من معلوماته السابقة.

2 - الملاحظة الحسية كمصدر وحيد للحقائق.

3 - نزوع العلم الحديث إلى التكميم.

4، 5 - موضوعية البحث ونزاهة الباحث.

6 - الاعتقاد في مبدأ الحتمية.

7 - توافر الثقافة الواسعة للعلماء.

ولا يخرج عن ذلك ما قاله د. أحمد زكي من أن "العلم مؤسس على التجربة يجريها العالم ويرقم نتائجها، وعلى الملاحظة يأتيها، ويرصد نتائجها، ثم هو يعمل عقله في هذه النتائج من بعد ذلك". ويشير همايون كبير إلى أهمية الإيمان باتساق الطبيعة واطراد قوانينها والإيمان بقيمة الوحدات الفردية وأهمية ملاحظتها في مجال العلم وتطوره.

مما سبق يتبين لنا أن المنهج العلمي يقوم على الإيمان بأن العلم محيط لا ساحل له، وأن وسائل الإنسان إلى تحصيل العلم هي حواسه وعقله، التي ينبغي أن تكون مفتوحة ويقظة دائما للطبيعة وظواهرها من حوله كي يتسنى له استخلاص القوانين التي تحكمها بعد التثبت من كل ما يلاحظه ويستنبطه.

فأما في الكتاب المقدس فقد بحثت فيه تحت نفس العناوين التي بحثت تحتها في القرآن فلم أجد فيه ما وجدته في القرآن من آيات تتصل بمبادئ المنهج العلمي اتصالا وثيقا. وأما القرآن ففيه آيات كثيرة تبرز سعة آفاق العلم وعدم انتهائها عند حد، كقوله تعالى: "سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون". "والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة، ويخلق ما لا تعلمون". "وما أوتيتم من العلم إلا قليلا". "وفوق كل ذي علم عليم". ثم هذه الآية التي يأمر فيها العليم الحكيم رسوله محمدا عليه الصلاة والسلام أن "قل: رب، زدني علما". إن هذه هي المرة الوحيدة في القرآن التي يأمر فيها الله رسوله أن يستزيد من شيء. ولنلاحظ أن المأمور بذلك هو محمد، الذي كان يتنزل عليه الوحي صباح مساء. وكذلك هذه الآية التي يسوي فيها القرآن بين الجهاد في سبيل الله وطلب العلم، إذ يسمي كلا منهما "نفرا"، والتي يحض فيها المؤمنين أن يبقى مع الرسول في المدينة، حين لا يخرج للغزو مع الجيش، من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين: "وما كان المؤمنون لينفروا كافة. فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون". صحيح أن العلم هنا هو العلم الديني، بيد أنه ينبغي ألا يفوتنا أن هذا هو المجال العلمي الوحيد الذي كان يتتابع فيه ظهور الجديد كل يوم، وأحيانا كثيرة في مدى زمني أقصر من ذلك، على عكس ما يسمى الآن بالعلوم التجريبية، التي كانت معارف العرب فيها في ذلك الحين مجرد شظايا بدائية ساكنة لا يلحقها تطور أو تجديد. والعبرة على كل حال بمبدإ التخصص وتهيئة الدولة المناخ المناسب لعكوف العالم على علمه وتشجيعه بل حثه على ذلك.

كذلك ما أكثر الآيات القرآنية التي تتحدث عن نعم السمع والبصر والعقل وتمن بها على العباد بما يدل على جلالة وظيفتها: "وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون". "وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة". "وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة. قليلا ما تشكرون". "وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة".

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015