وأيضا ما أكثر الآيات التي تحض على النظر والتأمل في الملكوت ووقائع التاريخ: "فلينظر الإنسان إلى طعامه * أنا صببنا الماء صبا * ثم شققنا الأرض شقا * فأنبتنا فيها حبا * وعنبا وقضبا * وزيتونا ونخلا * وحدائق غلبا * وفاكهة وأبا * متاعا لكم ولأنعامكم". "فلينظر الإنسان مم خلق * خلق من ماء دافق * يخرج من بين الصلب والترائب * إنه على رجعه لقادر". "أفلم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض؟ ". "أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم؟ كانوا أشد منهم قوة". "أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم: كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج * والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من زوج بهيج؟ ". "أفلا ينظرون إلى الإبل: كيف خلقت؟ * وإلى السماء: كيف رفعت؟ * وإلى الجبال كيف نصبت؟ * وإلى الأرض: كيف سطحت؟ ". "قل: سيروا في الأرض فانظروا: كيف بدأ الخلق؟ ثم الله ينشيء النشأة الآخرة".

وإلى جانب هذه الآيات هناك مواضع أخرى يعنف فيها القرآن من لا يستخدمون حواسهم وعقولهم تعنيفا شديدا لدرجة أنه يهبط بهم إلى ما دون مرتبة العجماوات. قال تعالي: "لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها. أولئك كالأنعام، بل هم أضل". "إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون". "أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها؟ فإنها لا تعمي الأبصار، ولكن تعمي القلوب التي في الصدور".

والإنسان في القرآن مطالب بالتفكير قبل أن يؤمن أو يكفر، حتى يكون إيمانه أو كفره عن بينة: "قل إنما أعظكم بواحدة: أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا". "أو لم تتفكروا؟ ما بصاحبهم من جنة". "أو لم يتفكروا في أنفسهم؟ ". ومطالب كذلك بالتفكير بعد الإيمان، إذ من صفات المؤمنين أنهم هم "الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض".

وفي مجال التثبت نجد القرآن يحذر دائما من الوقوف عند الظن، إذ لابد من العلم اليقيني: "وما لهم بذلك من علم. إن هم إلا يظنون". "إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس". "إن يتبعون إلا الظن. وإن الظن لا يغني من الحق شيئا". بل يبلغ موقف القرآن من الظن وعدم الاعتداد به الحد الذي يدعو عنده إلى اجتناب الكثير من الظن لأن بعضه إثم، فهو حذر الوقوع في القليل غير المتعين ينبذ الكثير: "يا أيها الذين آمنوا، اجتنبوا كثيرا من الظن. إن بعض الظن إثم".

ولا يقف التثبت في القرآن عند اطراح الظن، بل لابد من البرهان: "فقلنا (أي قال المولى سبحانه): هاتوا برهانكم". "إن عندكم من سلطان (أي برهان قاطع) بهذا". "قل: هل عندكم من علم فتخرجوه لنا؟ ". "إيتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين".

وعلى الإنسان أن يرجع فيما يجهله إلى أهل الاختصاص: "ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم". "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون". ولا يصح في مجال العلم الاعتداد بالآراء المتوارثة لمجرد شيوعها وترديد الأجيال لها. ومن هنا كانت حملة القرآن شعواء على المقلدين لأسلافهم: "قالوا: بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا". "قالوا: حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا". "وإذا فعلوا فاحشة قالوا: وجدنا عليها آباؤنا". "قالوا: أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا؟ ". "قالوا: بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا". "قالوا: إنا وجدنا آباءنا على أمة، وإنا على آثارهم مهتدون". قالوا: إن وجدنا آباءنا على أمة، وإنا على آثارهم مقتدون".

بالنسبة للنظام الكوني وما يجري عليه من قوانين مطردة هناك هذه الأيات التي تتحدث عن السنة والتقدير والقدر والوزن والميزان، وهي كلها ألفاظ تعني ما يعنيه مصطلح "قوانين الطبيعة" أو "القوانين الكونية". ففي مجال التاريخ والحضارة وطباع البشر وانهيار الأمم نقرأ هذه الآيات: "وإن يعودوا (أي الكفار لكفرهم وإجرامهم) فقد مضت سنة الأولين". "سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا. ولا تجد لسنتنا تحويلا". "سنة الله في الذين خلوا من قبل. وكان أمر الله قدرا مقدورا". "ولن تجد لسنتنا تبديلا". "فلن تجد لسنة الله تبديلا، ولن تجد لسنة الله تحويلا". "قد خلت من قبلكم

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015