إذا فالله تعالى يبرز في هذه الآيات الثلاثة ثلاثة أنواع اختلاف, فهناك اختلاف الهيئة والظهور كما بين الليل والنهار, فالليل وإن كان الأكبر فإن النهار هو الأنفع والأظهر! وهناك اختلاف حجم كما بين الليل والنطفة, فالليل على كبره لا خير فيه وهو ممحوق, أما النطفة فهي إلى نماء وتكاثر وتضاعف, وهناك اختلاف طبيعة فالليل والنهار يتكاملان ليشكلا واحدا, والنطفة تنقسم ليخرج منها إثنان. وبهذا كله يقسم الله على " إن سعيكم لشتى" أي أن سعي الناس في الحياة مختلف متنوع متفرق, كما اختلفت وتنوعت هذه المقسمات بها. ونجد أن الحديث في هذه السورة يركز كل التركيز على التقوى الحقيقية من إخلاص العمل لله عزوجل وما يتبعه من تصديق له وهو الإنفاق, لذلك يقول الله تعالى بعد ذلك "فأما من أعطى واتقى .... وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى"
وعلى النقيض من ذلك يأتي قوله تعالى "وأما من بخل واستغنى ..... فأنذرتكم نارا تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى".
فانظر أخي في الله إلى هذا التنوع البديع العجيب والفارق الرهيب بين المقسمات بها والذي قدمه الله عزوجل ليدلل به على اختلاف سعي الناس, فهي صورة طبيعية عرضت طرفي النقيض في الصغر والكبر, ولا أعتقد أنها تخطر ببال بشر.
قد يقول قائل: قد يكون الرأي مقبولا هنا, ولكن ماذا تقول في آية الشمس "ونفس وما سواها"؟
نقول: الناظر في السورة من أولها إلى الآية السابقة لهذه يجد أن الله تعالى يقسم بالمخلوق وبفعل له, فيقول: "والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها" ثم بعد ذلك يغير شكل الآيات فيقول: "والسماء وما بناها ونفس وما سواها"
فإذا كان بعض المفسرين قد رأى أن المراد من "ما" هنا المصدرية, أي: والسماء وبناءها والنفس وتسويتها", -فليس الأمر اتفاقا أن المراد ب "ما" الله تعالى- فلنا أن نرى أن المراد من ذلك هو المادة التي بنى الله عزوجل بها السماء, وكذلك البنية التي أنشأ الله تعالى النفس فيها. وكما قلنا في سورة الليل نقول هنا, فالله تعالى نسب فعل إلهام الفجور والتقوى إلى مادة الإنسان نفسه, أي أن الله تعالى خلق الإنسان وسواه على هيئة وفي طبيعة تجعله يفعل الفجور والتقوى, وهذا شيء في طبيعة الإنسان نفسه, لا أنه يكتسب الفجور من المجتمع, وإنما الإنسان بطبعه يحمل صفات الانحراف, كما يحمل صفات التقوى.
وأعتقد أن هذا الفهم لا حرج فيه, فهو لا يخالف اللغة المشتهرة, كما أنه لا يخالف العقيدة, فهو ينسب الفعل ظاهرا إلى السبب الأرضي, ولكنه يقر أنه في نهاية المطاف هو بتقدير الله عزوجل وتسويته, فليس بناء النفس هو الفاعل وإنما هو مفعول لأمر الله وتقديره.
وبهذا نكون قد أظهرنا العلاقة بين المقسم به والمقسم عليه في سورة الليل ووضحنا الصورة البديعة في الآيات, وعلى القارئ أن يقوم بربط باقي آيات السورة ببعضها وسيرى كما هي بناء متناسق بديع لا مثيل له.
غفر الله لنا ولكم الزلل والسلام عليكم ورحمة الله.
ـ[مصطفى سعيد]ــــــــ[08 Jul 2008, 10:46 ص]ـ
وكما قلنا في سورة الليل نقول هنا, فالله تعالى نسب فعل إلهام الفجور والتقوى إلى مادة الإنسان نفسه, أي أن الله تعالى خلق الإنسان وسواه على هيئة وفي طبيعة تجعله يفعل الفجور والتقوى, وهذا شيء في طبيعة الإنسان نفسه, لا أنه يكتسب الفجور من المجتمع, وإنما الإنسان بطبعه يحمل صفات الانحراف, كما يحمل صفات التقوى.
قياسا علي قولك فإن- ما -في " وما سواها " لا تكون مادة الانسان لأن المادة وهي جزء من الذات أو النفس وقع عليها التسوية ولكن الفاعل الذي هو -ما -غيرها،وأيضا -على قولك-فإن -ما - هذه لا تعود على الله
ولذلك أقول إن المادة المحايدة لا تلهم الفجور ولا التقوي نسب فعل إلهام الفجور والتقوى إلى مادة الإنسان نفسه, إذ أن المادة غير حاضرة في السياق وأري أن الفاعل غير العاقل الذي تدل عليه - ما - لايزال غير معروف وإن كنت أرجح أن نوع من القوي أو الطاقة والله أعلم
ومن يحمل صفات الانحراف, و صفات التقوى كليهما.لابد وأنه يكتسب من المجتمع إما هذه أو تلك أو كليهما،أم نقول أن المنحرف جُبل على الانحراف!! فهنا نسأل وأين صفات التقوي التي يحملها
ـ[محمد عمر الضرير]ــــــــ[08 Jul 2008, 04:20 م]ـ
أي أن الله تعالى خلق الإنسان وسواه على هيئة وفي طبيعة تجعله يفعل الفجور والتقوى, وهذا شيء في طبيعة الإنسان نفسه, لا أنه يكتسب الفجور من المجتمع,.
.
رعاك الله.
و أليس كل مولود يولد على الفطرة ... ؟
حتى أن بعض كبار علماء النفس من الغرب، يقول: آتوني بعشرة أطفال، وأنا أجعل منهم الطبيب، والمهندس، واللص .. ألخ.
ثم أن الجمهور من المفسرين وكبار العلماء، على أن الإلهام هنا هو التعريف بالخير والشر، وبيانهما للعمل بالطاعة أو المعصية.
وأحسب من الأسلم مراعاة مكية هذه الأيات، وأحوال المخاطبين بها آنذاك.
¥