مظاهر التفسير العلمي ... في القرون المفضلة

ـ[مرهف]ــــــــ[29 Jun 2008, 05:30 م]ـ

http://www.nooran.org/O/29/29-3.htm

د. مرهف السقا

[aيقصد بالتفسير العلمي: بيان معاني القرآن الكريم باستنباط مختلف العلوم الكونية والنفسية والعقلية، أو بتوظيف العلوم التطبيقية والبحثية والمعارف التجريبية الصحيحة بقدر الطاقة البشرية وفق القواعد الشرعية المقررة (1).

والمراد من هذا البحث وما سيأتي من بعده ـ إن شاء الله ـ، بيان الأصل الشرعي والتاريخي لما نسميه اليوم (التفسير العلمي للقرآن الكريم) بهذا المعنى الاصطلاحي السابق، ونفياً لتهمة بعض المتفيهقين لمن يشتغل بهذا الاتجاه بالتفسير بالضلال والتبديع، وتوجيهاً لمن يشتغل بالتفسير العلمي إلى ضبط عملهم التفسيري في إطار هذا التعريف، وفي ضوء منهج الأئمة المعتبرين.

لا يخفى حال العرب عند بدء نزول القرآن، وما يحملونه من معتقدات الجاهلية وتصوراتها ومفاهيمها الخرافية المخالفة للفطرة والعقل والحقيقة .. والتي تسرب معظمها عن طريق الاحتكاك بالروم والفرس وتلاقح العقول ببعضها، وتلقف العرب لعلوم الروم وفارس خاصة عن خلق الإنسان ونشأة الكون وغير ذلك، ومع ذلك فلم يبرع العرب إبان نزول القرآن وقبله إلا في ثلاثة أنواع من العلم: علم الأنساب وعلم الرؤيا وعلم الأنواء أو النجوم، وكانت براعتهم بالأنواء قاصرة على العرافة والاسترشاد في الجهات، وأما الطب فلم يبرعوا فيه، بل كان غالبهم يعتمد على التمائم والرقى والتنجيم (2).

والواقع أن طبيعة الحياة في المجتمع العربي قبل الإسلام كانت هي التي توجه العرب إلى العلوم التي تحتاجها هذه الحياة، فبراعتهم بالأنساب لأنها من ضروريات العصبية القبلية، ومعرفتهم بالنجوم وأنواع الكواكب ومطالع النجوم والقمر .. وما أدركوه بفرط العناية وطول التجربة؛ لاحتياجهم إلى معرفة ذلك في أسباب المعيشة لا على سبيل طريق تعلم الحقائق، ولا على سبيل التدريب في العلوم (3).

فنزل القرآن والحالة هذه لينقل الناس من هذه التصورات الخرافية التي لا تتوافق مع الحقائق التي خلقها الله، ليهديهم إلى الجادة المستقيمة ويصحح لهم التصورات المنحرفة عن الإنسان والكون والحياة، ويعيد الفطرة التي انحرفت هذه التصورات إلى أصلها وصفائها، وينقلهم من مرحلة التبعية لغيرهم في العلوم والنظم، ولآبائهم في العادات والعبادات، إلى سدة الاستقلال بالعلوم والعقيدة والأخلاق، ليكونوا أصحاب حضارة مميزة.

فكانت الآيات المكية تنزل متضمنة ذكر الإنسان وما يتعلق بخلقه وأطواره وكرامته، والكون ونشأته، والخليقة من بدئها وفنائها ومآلها، والحياة في معناها وحقيقتها والغاية منها، والأرض وما فيها من نبات وتربة وقطع متجاورات .. وغير ذلك من الدواب والمخلوقات؛ بأسلوب يأمر العقل بالحركة والتحرر من التبعية والجاهلية وتقليد الآباء وموروثاتهم، وكانت هذه الحقائق التي يذكرها الله تعالى في كتابه تتمكن من قلوب وعقول المسلمين عقيدة وفهماً لتوسع مداركهم وتعزز إيمانهم في تعظيم الله وتوحيده.

إن علم التفسير نشأ الرسالة الإسلامية، وبدأ ببدء نزول القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم فكانت الآيات المنزلة من عند الله تفتق مدارك العقل عند سامعيها العاقلين وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يفسر للصحابة ما أشكل عليهم في فهم القرآن الكريم وما أجمل من هذه الآيات، ويعلمهم منهج استنباط المعارف القرآنية واستخراج الدر المكنون من علوم القرآن، وكان المصدر في ذلك الوحي من عند الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. عن مالك بن الحويرث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله أن يخلق النسمة فجامع الرجل المرأة، طار ماؤه في كل عرق وعصب منها فإذا كان يوم السابع، أحضر الله كل عرق بينه وبين آدم، ثم قرأ: (فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ| (الانفطار: 8) (4).

بل كانت سنة النبي صلى الله عليه وسلم للآيات المتحدثة عن مظاهر الكون والإنسان، وكانت المصدر الأول للصحابة ـ رضي الله عنهم ـ في فهم القرآن الكريم، والمطلع على كتب التفسير بالمأثور يجد الأمثلة في ذلك كثيرة (5).

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015