وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ: بِأَنَّهُ إِنَّمَا قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ لِتَرَدُّدِهِ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ، لَا لِرَدِّهِ تَخْصِيصَ عُمُومِ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ الْآحَادِيَّةِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ كَيْفَ نُخَصِّصُ عُمُومَ كِتَابِ رَبِّنَا بِخَبَرٍ آحَادِيٍّ بَلْ قَالَ: "كَيْفَ نَتْرُكُ كِتَابَ رَبِّنَا لِقَوْلِ امْرَأَةٍ".

وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ بِلَفْظِ: "قَالَ عُمَرُ: لَا نَتْرُكُ كتاب الله وسنة نبينا قول امْرَأَةٍ لَعَلَّهَا حَفِظَتْ أَوْ نَسِيَتْ"1.

فَأَفَادَ هَذَا أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّمَا تَرَدَّدَ فِي كَوْنِهَا حَفِظَتْ أَوْ نَسِيَتْ، وَلَوْ عَلِمَ بِأَنَّهَا حَفِظَتْ ذَلِكَ وَأَدَّتْهُ كَمَا سَمِعَتْهُ لَمْ يَتَرَدَّدْ فِي الْعَمَلِ بِمَا رَوَتْهُ.

قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: إِنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي أَخْبَارِ الْآحَادِ الَّتِي لَمْ تُجْمِعِ الْأُمَّةُ عَلَى الْعَمَلِ بِهَا.

أَمَّا مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ: "لَا مِيرَاثَ لِقَاتِلٍ" 2 وَ"لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ" 3 فَيَجُوزُ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِهِ قَطْعًا، وَيَصِيرُ ذَلِكَ كَالتَّخْصِيصِ بِالْمُتَوَاتِرِ، لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى حُكْمِهَا وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ انعقاده على روايتها.

وَكَمَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ عُمُومِ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْآحَادِ، كَذَلِكَ يَجُوزُ "تَخْصِيصُ الْعُمُومِ الْمُتَوَاتِرِ مِنَ السُّنَّةِ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ، وَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي تَخْصِيصِ عُمُومِ الْقُرْآنِ السَّابِقِ كَمَا صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْجُوَيْنِيُّ وَغَيْرُهُمَا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015