وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: يَجُوزُ التَّعَبُّدُ بِوُرُودِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَدَّ لَكِنَّهُ لَمْ يَقَعْ.
وَحُكِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ، بَلْ وَرَدَ الْمَنْعُ، وَلَكِنَّ الَّذِي اخْتَارَهُ لِنَفْسِهِ هُوَ الْوَقْفُ، كَمَا حَكَى ذَلِكَ عَنْهُ الرَّازِيُّ فِي "الْمَحْصُولِ".
وَاسْتَدَلَّ فِي "الْمَحْصُولِ" عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ: بِأَنَّ الْعُمُومَ وَخَبَرَ الْوَاحِدِ دَلِيلَانِ مُتَعَارِضَانِ، وَخَبَرُ الْوَاحِدِ أَخَصُّ مِنَ الْعُمُومِ، فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْعُمُومِ.
وَاحْتَجَّ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَلَى الْجَوَازِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّهُمْ خَصُّوا قَوْلَهُ تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُم} 1 بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ" 2، وَخَصُّوا التَّوَارُثَ بِالْمُسْلِمِينَ عَمَلًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ" 3. وَخَصُّوا قَوْلَهُ: {اقْتُلُوا الْمُشْرِكِين} 4 بِخَبَرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي الْمَجُوسِ5 وَغَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ.
وَأَيْضًا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّخْصِيصِ، دَلَالَةً بَيِّنَةً وَاضِحَةً مَا وَقَعَ مِنْ أَوَامِرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِاتِّبَاعِ نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ، فَإِذَا جَاءَ عَنْهُ الدَّلِيلُ كَانَ اتِّبَاعُهُ وَاجِبًا، وَإِذَا عَارَضَهُ عُمُومٌ قُرْآنِيٌّ كَانَ سُلُوكُ طَرِيقَةِ الْجَمْعِ بِبِنَاءِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ مُتَحَتِّمًا، وَدَلَالَةُ الْعَامِّ عَلَى أَفْرَادِهِ ظَنِّيَّةً لَا قَطْعِيَّةً فَلَا وَجْهَ لِمَنْعِ تَخْصِيصِهِ بِالْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ الْآحَادِيَّةِ.
وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْمَانِعُونَ مُطْلَقًا بِمَا ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قِصَّةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ حَيْثُ لَمْ يَجْعَلْ لَهَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةً كَمَا فِي حَدِيثِهَا الصَّحِيحِ فَقَالَ عُمَرُ: "كَيْفَ نَتْرُكُ كِتَابَ ربنا لقول امرأة"6 يعني قوله: {أَسْكِنُوهُن} 7.