...
مقدمة سماحة مفتي زحلة والبقاع الغربي الشيخ خليل الميس:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
فيعتبر القرن الخامس عشر الهجري من عصور نهضة العلوم الشرعية، بما في ذلك علم أصول الفقه. حيث توجهت عناية العلماء به في منهجين.
الأول: التصنيف في هذا الفن، بما في ذلك الأطروحات العلمية المقدمة من الباحثين لنيل درجات الماجستير والدكتوراه في الشريعة الإسلامية، وهنا تشوقت النفوس إلى الاستزادة منه، وتعالت النداءات إلى تجديده تحت عنوان "تأصيل الأصول".
الثاني: التوجه نحو تحقيق كتب التراث لتوفير المادة العلمية بين يدي الباحثين، وتسهيل الحصول على تلك الكنوز التي كانت دفينة في خزائن المكتبات العامة والخاصة قرونا طويلة.
وهنا تشوقت النفوس للوقوف على محتويات تلك الذخائر العلمية، بما في ذلك المطبوع منها، وهو أحوج إلى التحقيق العلمي من المخطوط، ومن بين تلك الأسفار العلمية النفيسة كتاب "إرشاد الفحول للإمام الشوكاني".
ولما كان هذا العلم لا تناله إلا أيدي الفحول من العلماء؛ لأنه كما قال الإمام الغزالي: علم ازدوج فيه العقل والنقل، كان من نافلة القول إن الاعتناء بتلك الكتب لا يقوى عليها إلا النخبة من العلماء وأهل التحقيق. حيث لا يكفي أن يعزى القول إلى مصدره، بل لا بد من تعقب المصنف، واقتناص غرر الكلام، ودرر القواعد، والتعليق عليها كلما اقتضى الأمر.
وهنا تبرز غزائم الرجال في إماطة اللثام عن مكنون النص، ومصادره؛ لنشرف على التراث، ولو من خلال كتاب واحد.
كيف لا، والشوكاني هو المبرز في هذا الميدان، وهو الأمين في النقل، والفقيه الأصولي في اختيار الراجح من القول، والمتبحر في تحرير المذاهب، وإنه بحق لنقرأ من خلال إرشاده