8 - صحة النية وسلامة الاعتقاد:
إن صحة النية وكذا سلامة الاعتقاد، تنير العقل والقلب، وترشدهما للصواب، وتجنبهما الضلال، "والله تعالى يلقي في قلب المخلص الحكمة، فيهديه ويجنبه، والشريعة نور لا يدركه إلا من أشرق قلبه بالإخلاص، وأما فاسد الاعتقاد بأن يكون ذا بدعة أو ذا هوى، أو لا يتجه إلى المنصوص بقلب سليم، فإنه قد يسيطر على تفكيره ما يمنعه من الاستنباط الصحيح مهما تكن قوة تفكيره لأن النية المعوجة تجعل الفكر معوجًا" (?). وقد أدرك ابن الجوزي أهمية النية في صلاح القلب والعقل وقبول العمل، فقال في ذلك: "ومتى نظر العامل إلى التفات القلوب إليه فقد زاحم الشرك نيته؛ لأنه ينبغي أن يقنع بنظر من يعمل له. ومن ضرورة الإخلاص ألا يقصد التفات القلوب إليه، فذاك يحصل لا بقصده بل بكراهته لذلك. وليعلم الإنسان أن أعماله كلها يعلمها الخلق جملة، وإن لم يطلعوا عليها. فالقلوب تشهد للصالح بالصلاح، وإن لم يشاهَد منه ذلك. . . ." (?).
وقد بيَّن مراتب العلماء من حيث نياتهم فقال في ذلك: "وأما العلماء فالمبتدئون منهم ينقسمون إلى ذي نية خبيثة يقصد بالعلم المباهاة لا العمل، ويميل إلى الفسق ظنًّا أن العلم يدفع عنه، وإنما هو حجة عليه. وأما المتوسطون والمشهورون فأكثرهم يغشى السلاطين، ويسكت عن إنكار المنكر. وقليل من العلماء من تسلم له نيته ويحسن قصده. فمن أراد الله به خيرًا رزقه حسن القصد في طلب العلم، فهو يحصله لينتفع به وينفع، ولا يبالي بعمل مما يدله عليه العلم. . . ." (?).
وقوله: "كل من عمل خيرًا أو صحح نية، فلينتظر جزاءها الحسن، وإن امتدت المدة. . . ." (?).