والذي يبدو واضحًا من وصايا وأقوال ابن الجوزي عن أهمية النية، أنه كان مستحضرًا إياها في أعماله وأقواله حتى ينال الأجر والمثوبة من الله تعالى. ولاسيما أن الكاتب حين يكتب فإنه أول من يلتزم -إن شاء الله- بما يقوله حتى لا يكون ممن ينطبق عليه قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (?).
وبذلك يصبح ابن الجوزي محققًا لهذا الشرط.
ومما سبق، من مطابقة شروط الاجتهاد على الروافد العلمية والثقافية التي نهل منها ابن الجوزي منذ نعومة أظفاره وحتى اشتغاله بالوعظ والتصنيف. فإننا نلاحظ أن مصادر ثقافته كانت جامعة لمعظم العلوم المعروفة في زمانه، وفي مقدمتها العلوم الإسلامية التي يحتاجها المجتهد عند إصدار الأحكام واستنباطها ضمن الحدود الشرعية. والذي زاد من ثرائه الثقافي والعلمي أنه تلقّى علومه على "سبعة وثمانين شيخًا" (?).
وهذا التنوع في العلوم والشيوخ والكتب التي أخذ منها ثقافته قد أعانه، وذلك بالإضافة إلى ما تميَّز به من همة عالية، وعقل ناضج، وحب للعلم، وقدرة على الفهم والحفظ والتصنيف، كما وصف نفسه قائلًا: "ولي همة عالية وأنا في المكتب ابن ست سنين وأنا قرين الصبيان الكبار، وقد رُزقت عقلًا وافرًا في الصغر يزيد على عقل الشيوخ" (?)، وقد قال: "إني رجل حبب إليَّ العلم من زمن الطفولة فتشاغلت به، ثم لم يحبَّب إليَّ فن واحد منه، بل فنونه كلها" (?)، وقال: "ورزقني الفهم وسرعة الحفظ والخط وجودة التصنيف" (?). وقد أكسبه كلُّ ذلك القدرة على توظيف هذه الثقافات المتنوعة في عرض الكثير من آرائه التربوية