هذه الأشياء إنما خلقت إعانة للبدن على قطع مراحل الدنيا، ولم تخلق لنفس الالتذاذ، وإنما جعلت اللذة فيها كالحيلة في إيصال النفع بها، إذ لو المقصود التنعم بها لما جعلت الحيوانات البهيمية أوفى حظًّا من الآدمي منها" (?). وقوله في الغاية من النكاح: "فإن طلب التزوج للأولاد، فهو الغاية في التعبد، وإن أراد التلذذ فمباح يندرج فيه من التعبد ما لا يحصى من إعفاف نفسه والمرأة .. إلى غير ذلك" (?).

لقد اعترف المنهج التربوي الإسلامي بهذه الطاقة الحيوية، وعمل على تهذيبها وإعلائها عن طريق الزواج الشرعي الحلال، الذي جعل له مقاصد، وقد حددها ابن الجوزي في وجهين هما:

"أحدهما: إبقاء الجنس وهو معظم المقصود.

والثاني: دفع الفضلة المحتقنة المؤذي احتقانها" (?).

لذلك لابد من فهم هذه المقاصد الشرعية وتحقيقها، واجتناب مخالفتها والحذر من حصرها في الاستمتاع فقط، وفي هذا المعنى يقول ابن الجوزي: "ومن أقبح الأمور الانهماك في النكاح طلبًا لصورة اللذة، ناسيًا ما يجني ذلك من انحلال القوة، ويزيد في الحرام بالعقوبة" (?).

وقد وضع ابن الجوزي بعض الضوابط لتصريف هذه الطاقة الحيوية والمحافظة عليها، منها الاعتدال دون شرهٍ، فقال: "إن مال إلى شهوات النكاح وأكثر منها، قل التذاذه وفنيت حرارته وكانت سببًا في عدم مطلوبه منها. ومن استعمل ذلك بمقدار ما يجيزه العقل ويحتمله كان التذاذه أكثر، لبعد ما بين الجماعين، وأمكنه التردد لبقاء الحرارة" (?).

ثم يبيّن ابن الجوزي أضرار الشره في الجماع، فيقول: "كلما كثر استعماله امتنعت أوعية المني من الدر، فانجذب إليها غذاء ليس بنضيج،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015