خير، وتسخطت قلوبهم بوقوعها" (?).
كما يلفت نظرنا إلى مبدأ تربويِّ ونفسيِّ مهمِّ، وهو أن كل فرد كيان مستقل عن غيره، لا ينبغي مقارنته بغيره في قدراته وطاقاته ودوافعه، فقال: "ولا ينبغي أن يطالب الإنسان بما يقوى عليه غيره، فيضعف هو عنه، فإن الإنسان أعرف بصلاح نفسه" (?).
كذلك ينبه ابن الجوزي إلى إشارةٍ تربويةٍ جليلةٍ، يبين فيها أن الحكمة من تناول الطعام والشراب، لا تعتمد على تطبيق مبدأ الخشونة أو مبدأ التنعم، وإنما من أيهما تحصل له المصلحة عند إشباع حاجة الطعام والشراب، والتي بهما توصلانه إلى مرضاة الله تعالى، فقال: "فربَّ متنعم لا يريد التنعم، وإنما يقصد المصلحة. وليس كل بدنٍ يقوى علىَ الخشونة، خصوصًا من قد لاقى الكدَّ وأجهده الفكر، أو أمضَّه الفقر، فإنه إن لم يرفق بنفسه، ترك واجبًا عليه من الرفق بها" (?)، وقد استشهد ابن الجوزي بقول رابعة العدوية لتأكيد رأيه، فذكر ما قالته: "إن كان صلاح قلبك في الفالوذج (?) فكُلْه" (?).
ثم عرض ابن الجوزي قصص بعض النماذج البشرية، ممن وجدت الزهد في الاستمتاع بالطيبات التي أباحها الله تعالى، وقدوتهم في ذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم -. ثم قص تجربته في هذا المجال فقال: "فمن ألف الترف فينبغي أن يتلطف بنفسه إذا أمكنه. وقد عرفت هذا من نفسي، فإني ربيت في ترفٍ، فلما ابتدأت في التقلل وهجر المشتهى، أثر معي مرضًا قطعني عن كثير من التعبد. حتى أني قرأت في أيام كل يوم خمسة أجزاء من القرآن، فتناولت يومًا ما لا يصلح فلم أقدر في ذلك اليوم على قراءتها. فقلت: إن لقمة تؤثر في قراءة خمسة أجزاء بكل حرفٍ عشر حسنات، إن تناولها لطاعة عظيمة" (?). وقد انتهت به تجربته إلى هذا