أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} (?) كما ينبغي أن لا يكون الطعام هدفًا لذاته، ولا يكون الأكل للالتذاذ به، كأن الغاية من وجود الإنسان الأكل فقط. وفي ذلك يقول ابن الجوزي: "فالجاهل يطلبها لذاتها أو لنفسِ لذَّاتها" (?). ويقول: "ولا تظننَّ أني آمر بإشباع الشهوات، ولا بالإكثار من الملذوذ، وإنما آمر بتناول ما يحفظ النفس، وأنهى عما يؤذي البدن" (?).
وبعد أن وضّحنا رأي ابن الجوزي في التربية الجسمية، نذكر أنه يحذرنا من اتباع المتزهدين الذين فهموا عكس المقصود من تناول الطعام، كما حددته الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، وقلدوا الرجال وأهملوا اتباع سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وقد قال فيهم: "ولا يهولنَّك ما تسمعه من الأحاديث، التي تحثُّ على الجوع، فإن المراد بها إما الحث على الصوم، وإما النهي عن مقاومة الشبع. فأما تنقيص المطعم على الدوام، فمؤثر في القُوى، فلا يجوز. ثم في هؤلاء المذمومين من يرى هجر اللحم، والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يودّ أن يأكله كل يوم" (?). ثم خاطبهم بقوله: "لا تحتجنَّ عليَّ بأسماء الرجال، فتقول: قال بشر، وقال إبراهيم بن أدهم، فإن من احتج بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه -رضوان الله عليهم- أقوى حجَّة. على أن لأفعال أولئك وجوهًا نحملها عليها بحسن الظن" (?). ثم يرد ابن الجوزي أسباب ذلك إلى جهلهم مقاصد الشريعة الإِسلامية، فقال: "قلة العلم أوجبت هذا التفريط، الذي قصد به الخير وهو شر" (?).
ثم يتناول ابن الجوزي كالطبيب الخبير بطبيعة النفس البشرية التي خلقها الله تعالى، ويبين أن هناك فروقًا بين الأفراد في إشباع هذه الحاجة الفطرية، فقال: "وليس كل الأبدان تتساوى في الإطاقة، ولقد حمل أقوام من المجاهدات في بداياتهم أشياء أوجبت أمراضًا قطعتهم عن