أضرار قلة الطعام فقال فيها: "لقد عرفت أن أقوامًا دام بهم التقلل واليبس إلى أن تغير فكرهم، وقوى الخلط السوداوي عليهم، فاستوحشوا من الناس، ومنهم من اجتمعت له من المآكل الردية أخلاط مجة، فبقي اليوم واليومين والثلاثة لا يأكل وهو يظن ذلك من إمداد اللطف به، وإذا به من سوء الهضم، وفيهم من ترقى به الخلط إلى رؤية الأشباح فيظنها الملائكة" (?). وهذا ما أقره الطب الحديث فقال: "أن يكون -الطعام- كافيًا أي بالكمية اللازمة لاحتياج الجسم وما يبذله من طاقةٍ، فلا إقلال للحد الذي يسبب الهزال والضعف، ولا إكثار إلى الحد الزائد الذي يسبب السمنة "البدانة" وما يصاحبها من مشكلاتٍ" (?).
ثم بيَّن ابن الجوزي حدود تقليل الطعام والحكمة منه فقال: "فإن تقلل من الطعام فبعقلٍ، وحدّ التقلل ترك فضول المطعم، وما يخاف شره من شبهةٍ أو شهوةٍ يحذر تعودها. وأما زيادة التقلل مع القدرة فليس لعقلٍ ولا شرعٍ، إلا أن يكون الفقر عمّ، فيتقلل ضرورةً" (?) ثم تابع قوله مبينًا منهج الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الكرام في هذا الشأن، فقال: "ومن تأمل حال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وجدهم يأخذون بمقدارٍ ولا يتركون حظوظ النفس التي تصلحها" (?).
ثم بيَّن ابن الجوزي ضابطًا آخر من ضوابط تناول الطعام والشراب، أن يكون حلالًا، دون ربا أو سرقةٍ أو غشٍ أو خداعٍ، فقال: "وتحقق الحلال في المطعم" (?) وقوله: "فإن النظر ينبغي أن يكون في حل المطعم وأخذ ما يصلع بمقدار" (?). وقد استقى ابن الجوزي رأيه هذا من قول الله تعالى: {وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي