دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (?) وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} (?) دون تفريق بين فروع وأصول, وبين ظاهر وباطن, وبين قشر ولب, وربنا جل وعلا قد أمر المؤمنين بالقيام بما شرعه من دينه -ولو كان من القضايا العلمية التي يسمونها فروعا- في أشد أوقات الكفاح وهو وقت الالتحام المسلح مع الأعداء، في قوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} (?) الآية.

وما يتوهمه هؤلاء المخالفون ما هو إلا نتبجة لتخيلهم أن النسبة بين مواجهة الأعداء والانتصار عليهم, وبين تعلم المسائل الفرعية والتمسك بها وإن دقت؛ إنما هي تباين المقابلة، كتباين النقيضين: كالعدم والوجود، والنفي والإثبات، أو تباين الضدين: كالسواد والبياض، والحركة والسكون، أو تباين المتضائفين: (كالأبوة والبنوة) والفوق والتحت، أو العدم والملكة كالبصر والعمى.

فإن الوجود والعدم لا يجتمعان في شيء واحد في وقت واحد من جهة واحدة كذلك الحركة والسكون مثلا، وكذلك الأبوة والبنوة، فكل ذات تثبتت لها الأبوة لذات استحالت عليها البنوة لها، بحيث يكون شسخص أبا وابنا لشخص واحد، كاستحالة اجتماع السواد والبياض في نقطة بسيطة، أو الحركة والسكون في جرم، وكذلك البصر والعمى لا يجتمعان. فتخيل هؤلاء أن مواجهة الأعداء والتمسك بالفروع متباينان تباين مقابلة بحيث يستحيل اجتماعهما، فكان من نتائج ذلك هذه المعارضة المتهافتة. والتحقيق أن النسبة بين الأمرين بالنظر إلى العقل وحده، وقطع النظر عن النصوص النقلية؛ إنما هي تباين المخالفة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015