فمن ههنا يصرع، فهذا هو القلب المصروع، والمأسور في يد هواها؛ قلما خرج منه عمل من أعمال البر، ثم لم يصب الغرض، فوقعت رميته يميناً وشمالاً، وربما خرج منه فلم يبلغ الغرض لضعف القوس؛ وذلك أنه رمى عن قوس قد أصابتها الآفات والعلل؛ فكذلك آفة القلب الذي وصفنا، وربما أردت براً، مال بقلبك الهوى إلى الشهوات يميناً وشمالاً، حتى تحيد عن السبيل والسنة، وربما جاوزت الغرض، وربما ضعف قلبك، فعلمت بغير نية، فلم يبلغ عملك إلى ربك، كما قصرت الرمية عن الغرض؛ أفلا ترى كيف تعالج القوس وتحمى حتى تلين، فإذا لانت سويت، حتى يرجع البيت الأعلى إلى مكانه، وإنما زال عن مكانه لأن البيت الأسفل لما قوى وصلب مد البيت الأعلى بفضل قوته؛ فكذلك النفس لما قويت وصلبت شهوتها، انتشرت وهاج هواها، فأحرقت أنوار القلب، والقلب هو رطب بالأنوار، لأن النور هو من الله تعالى رحمة، والرحمة باردة، والقلب لين منقاد برطوبة تلك الأنوار،