النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَظَرَ إلَيْهِ رَثَّ الْهَيْئَةِ فَقَالَ: مَا مَالُك؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ الْمَالِ قَدْ آتَانِي اللَّهُ. فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ إذَا أَنْعَمَ عَلَى امْرِئٍ نِعْمَةً أَنْ يَنْظُرَ إلَى أَثَرِهَا عَلَيْهِ» . وَقَدْ قِيلَ: الْمُرُوءَةُ الظَّاهِرَةُ فِي الثِّيَابِ الطَّاهِرَةِ.
وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي غِلْمَانِهِ وَحَشَمِهِ إنْ اشْتَدَّ كَلَفُهُ بِهِمْ صَارَ عَلَيْهِمْ قَيِّمًا وَلَهُمْ خَادِمًا، وَإِنْ اطَّرَحَهُمْ قَلَّ رَشَادُهُمْ وَظَهَرَ فَسَادُهُمْ فَصَارُوا سَبَبًا لِمَقْتِهِ، وَطَرِيقًا إلَى ذَمِّهِ، لَكِنْ يَكُفُّهُمْ عَنْ سَيِّئِ الْأَخْلَاقِ وَيَأْخُذُهُمْ بِأَحْسَنِ الْآدَابِ لِيَكُونُوا كَمَا قَالَ فِيهِمْ الشَّاعِرُ:
سَهْلُ الْفِنَاءِ إذَا مَرَرْتَ بِبَابِهِ ... طَلْقُ الْيَدَيْنِ مُؤَدَّبُ الْخُدَّامِ
وَلْيَكُنْ فِي تَفَقُّدِ أَحْوَالِهِمْ عَلَى مَا يَحْفَظُ تَجَمُّلَهُ وَيَصُونُ مُبْتَذَلَهُ. فَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «ادَّهِنُوا يَذْهَبْ الْبُؤْسُ عَنْكُمْ، وَالْبَسُوا تَظْهَرْ نِعْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، وَأَحْسِنُوا إلَى مَمَالِيكِكُمْ فَإِنَّهُ أَكْبَتُ لِعَدُوِّكُمْ» .
وَلْيَتَوَسَّطْ فِيهِمْ مَا بَيْنَ حَالَتَيْ اللِّينِ وَالْخُشُونَةِ فَإِنَّهُ إنْ لَانَ هَانَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ خَشُنَ مَقَتُوهُ وَكَانَ عَلَى خَطَرٍ مِنْهُمْ. حُكِيَ أَنَّ الْمُؤَبَّذُ سَمِعَ ضَحِكَ الْخَدَّامِ فِي مَجْلِسِ أَنُوشِرْوَانَ فَقَالَ: أَمَا تَمْنَعُ هَؤُلَاءِ الْغِلْمَانِ؟ فَقَالَ أَنُوشِرْوَانَ: إنَّمَا بِهِمْ يَهَابُنَا أَعْدَاؤُنَا. وَقَالَ أَبُو تَمَّامٍ الطَّائِيُّ:
حَشَمُ الصَّدِيقِ عُيُونُهُمْ بَحَّاثَةٌ ... لِصَدِيقِهِ عَنْ صِدْقِهِ وَنِفَاقِهِ
فَلْيَنْظُرَنَّ الْمَرْءُ مِنْ غِلْمَانِهِ ... فَهُمْ خَلَائِفُهُ عَلَى أَخْلَاقِهِ
وَاعْلَمْ أَنَّ لِلنَّفْسِ حَالَتَيْنِ: حَالَةُ اسْتِرَاحَةٍ إنْ حَرَّمْتُهَا إيَّاهَا كَلَّتْ، وَحَالَةُ تَصَرُّفٍ إنْ أَرَحْتهَا فِيهَا تَخَلَّتْ. فَالْأَوْلَى بِالْإِنْسَانِ تَقْدِيرُ حَالَيْهِ: حَالُ نَوْمِهِ وَدَعَتِهِ، وَحَالُ تَصَرُّفِهِ وَيَقِظَتِهِ، فَإِنَّ لَهُمَا قَدْرًا مَحْدُودًا وَزَمَانًا مَخْصُوصًا يَضُرُّ بِالنَّفْسِ مُجَاوَزَةُ أَحَدِهِمَا، وَتَغَيُّرُ زَمَانِهِمَا. فَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «نَوْمَةُ الصُّبْحَةِ مَعْجَزَةٌ مَنْفَخَةٌ مَكْسَلَةٌ مَوْرَمَةٌ مَفْشَلَةٌ مَنْسَأَةٌ لِلْحَاجَةِ» . وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: النَّوْمُ ثَلَاثَةٌ: نَوْمُ خَرَقٍ وَهِيَ الصُّبْحَةُ، وَنَوْمُ خَلَقٍ وَهِيَ الْقَائِلَةُ، وَنَوْمُ حُمْقٍ وَهُوَ الْعَشِيُّ.
وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَزْدَانَ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ