وَاجْعَلْ نُصْحَ نَفْسِك غَنِيمَةَ عَقْلِك، وَلَا تُدَاهِنْهَا بِإِخْفَاءِ عَيْبِك وَإِظْهَارِ عُذْرِك، فَيَصِرْ عَدُوُّك أَحْظَى مِنْك فِي زَجْرِ نَفْسِهِ بِإِنْكَارِك وَمُجَاهَرَتِك مِنْ نَفْسِك الَّتِي هِيَ أَخَصُّ بِك لِإِغْرَائِك لَهَا بِأَعْذَارِك وَمُسَاءَتِك. فَحَسْبُك سُوءًا رَجُلٌ يَنْفَعُ عَدُوَّهُ وَيَضُرُّ نَفْسَهُ.
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: أَصْلِحْ نَفْسَك لِنَفْسِك يَكُنْ النَّاسُ تَبَعًا لَك. وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: مَنْ أَصْلَحَ نَفْسَهُ أَرْغَمَ أَنْفَ أَعَادِيهِ، وَمَنْ أَعْمَلَ جِدَّهُ بَلَغَ كُنْهَ أَمَانِيهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ: مَنْ عَرَفَ مَعَابَهُ فَلَا يَلُمْ مَنْ عَابَهُ. وَأَنْشَدَنِي أَبُو ثَابِتٍ النَّحْوِيُّ لِبَعْضِ الشُّعَرَاءِ:
وَمَصْرُوفَةٌ عَيْنَاهُ عَنْ عَيْبِ نَفْسِهِ ... وَلَوْ بَانَ عَيْبٌ مِنْ أَخِيهِ لَأَبْصَرَا
وَلَوْ كَانَ ذَا الْإِنْسَانُ يُنْصِفُ نَفْسَهُ ... لَأَمْسَكَ عَنْ عَيْبِ الصَّدِيقِ وَقَصَّرَا
فَهَذِّبْ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ نَفْسَك بِأَفْكَارِ عُيُوبِك وَانْفَعْهَا كَنَفْعِك لِعَدُوِّك فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ وَاعِظٌ لَمْ تَنْفَعْهُ الْمَوَاعِظُ. أَعَانَنَا اللَّهُ، وَإِيَّاكَ عَلَى الْقَوْلِ بِالْعَمَلِ وَعَلَى النُّصْحِ بِالْقَبُولِ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَكَفَى.