وَأَمَّا الْجَمَالُ وَالزِّينَةُ فَهُوَ مُسْتَحْسَنٌ بِالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوجِبَهُ عَقْلٌ أَوْ شَرْعٌ. وَفِي هَذَا النَّوْعِ قَدْ يَقَعُ التَّجَاوُزُ وَالتَّقْصِيرُ وَالتَّوَسُّطُ الْمَطْلُوبُ فِيهِ مُعْتَبَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: فِي صِفَةِ الْمَلْبُوسِ وَكَيْفِيَّتِهِ. وَالثَّانِي: فِي جِنْسِهِ وَقِيمَتِهِ. فَأَمَّا صِفَتُهُ فَمُعْتَبَرَةٌ بِالْعُرْفِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا عُرْفُ الْبِلَادِ فَإِنَّ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ زِيًّا مَأْلُوفًا، وَلِأَهْلِ الْمَغْرِبِ زِيًّا مَأْلُوفًا، وَكَذَلِكَ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْبِلَادِ الْمُخْتَلِفَةِ عَادَاتٌ فِي اللِّبَاسِ مُخْتَلِفَةٌ.
وَالثَّانِي: عُرْفُ الْأَجْنَاسِ فَإِنَّ لِلْأَجْنَادِ زِيًّا مَأْلُوفًا، وَلِلتُّجَّارِ زِيًّا مَأْلُوفًا، وَكَذَلِكَ لِمَنْ سِوَاهُمَا مِنْ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ عَادَاتٌ فِي اللِّبَاسِ. وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ عَادَاتُ النَّاسِ فِي اللِّبَاسِ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ؛ لِيَكُونَ اخْتِلَافُهُمْ سِمَةً يَتَمَيَّزُونَ بِهَا، وَعَلَامَةً لَا يَخْفُونَ مَعَهَا، فَإِنْ عَدَلَ أَحَدٌ عَنْ عُرْفِ بَلَدِهِ وَجِنْسِهِ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ خَرَقًا وَحُمْقًا. وَلِذَلِكَ قِيلَ: الْعُرْيُ الْفَادِحُ خَيْرٌ مِنْ الزِّيِّ الْفَاضِحِ.
وَأَمَّا جِنْسُ الْمَلْبُوسِ وَقِيمَتُهُ فَمُعْتَبَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: بِالْمُكْنَةِ مِنْ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَإِنَّ لِلْمُوسِرِ فِي الزِّيِّ قَدْرًا، وَلِلْمُعْسِرِ دُونَهُ.
وَالثَّانِي: بِالْمَنْزِلَةِ وَالْحَالِ فَإِنَّ لِذِي الْمَنْزِلَةِ الرَّفِيعَةِ فِي الزِّيِّ قَدْرًا، وَلِلْمُنْخَفِضِ عَنْهُ دُونَهُ لِيَتَفَاضَلَ فِيهِ عَلَى حَسَبِ تَفَاضُلِ أَحْوَالِهِمْ فَيَصِيرُوا بِهِ مُتَمَيِّزِينَ. فَإِنْ عَدَلَ الْمُوسِرُ إلَى زِيِّ الْمُعْسِرِ كَانَ شُحًّا وَبُخْلًا، وَإِنْ عَدَلَ الرَّفِيعُ إلَى زِيِّ الدَّنِيءِ كَانَ مَهَانَةً وَذُلًّا، وَإِنْ عَدَلَ الْمُعْسِرُ إلَى زِيِّ الْمُوسِرِ كَانَ تَبْذِيرًا وَسَرَفًا، وَإِنْ عَدَلَ الدَّنِيءُ إلَى زِيِّ الرَّفِيعِ كَانَ جَهْلًا وَتَخَلُّفًا.
وَلُزُومُ الْعُرْفِ الْمَعْهُودِ، وَاعْتِبَارُ الْحَدِّ الْمَقْصُودِ، أَدَلُّ عَلَى الْعَقْلِ وَأَمْنَعُ مِنْ الذَّمِّ. وَلِذَلِكَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إيَّاكُمْ لُبْسَتَيْنِ: لُبْسَةٌ مَشْهُورَةٌ وَلُبْسَةٌ مَحْقُورَةٌ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الْبَسْ مِنْ الثِّيَابِ مَا لَا يَزْدَرِيك فِيهِ الْعُظَمَاءُ، وَلَا يَعِيبُهُ عَلَيْك الْحُكَمَاءُ.
وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:
إنَّ الْعُيُونَ رَمَتْك إذْ فَاجَأَتْهَا ... وَعَلَيْك مِنْ شَهْرِ الثِّيَابِ لِبَاسُ