علاج التعصب المذموم لا يكون بحظر الجماعات أو منع التسمي بها

فلا بد أن تتكاتف الاتجاهات الإسلامية لعلاج هذه الظاهرة، وليس هذا العلاج حتماً بإلغاء الجماعات وإبطالها ولا حتى بعدم ذكر أسمائها.

فالبعض يرى أن العلاج هو في هدم العمل الجماعي أو عدم التسمي بالأسماء، إن الاجتماع على إقامة الواجبات من الفروض يترتب عليه وجود العمل الجماعي الذي يهدف إلى إقامة الواجبات الشرعية وفروض الكفاية التي تغيب عن واقع المسلمين، فهذا أمر فرض على المسلمين فكيف يهدم من أجل التعصب؟ ومثل هذا مثل من جاءه مريض ليعالجه فقال: علاجه بقتله، وهذا غير صحيح، بل لا بد من علاج المريض لا منعه مما وجب عليه شرعاً، فالاجتماع فرض أما التسمي فهو من الأمور الجائزة أو المستحبة المشروعة، والانتساب إلى أسماء معينة كالانتساب إلى بلد أو عالم أو طائفة ليس بمحرم في الشرع، كقولنا: فلان الحجازي، أو فلان العراقي، فتحريم مثل هذا غير موجود عبر التاريخ والعصور بل نرى في تاريخنا الانتساب إلى البلاد كالإمام البخاري مثلاً واسمه محمد بن إسماعيل لكنه انتسب إلى البلد التي نشأ منها.

ومثله الحافظ العراقي وابن حجر العسقلاني، والإمام النووي.

وكذا الانتساب إلى عالم معين كقولنا: فلان الشافعي، أو فلان المالكي، أو فلان الحنبلي، فهذا أمر ظل موجوداً من عدد من العلماء، حتى عند ظهور التعصب المذموم ولم يقل أحد بحرمة الانتساب للأسماء.

وقبل هذا لم يكن ينتسب إلى الأسماء بياء النسب بل كان ينتسب إليه بكلمة أخرى، فنحن نعرف أصحاب عبد الله، وكم جرى على الألسن: كان أصحاب عبد الله يرون كذا، وكذا أصحاب ابن مسعود وأصحاب ابن عباس، فهذا الأمر كان موجوداً وكان يعرف أن أصحاب فلان، أي: تلامذته وأتباعه، فانتسابهم له كان باسم (أصحاب) قبل أن تظهر المذاهب المشهورة، وكذا الانتساب إلى طائفة معينة كالأشراف مثلاً، فقيل: الشريف فلان أو نحو ذلك، أو نسب إلى الطوائف المعاصرة كالطوائف والجماعات التي تريد أن تقوم بواجب من الواجبات الشرعية، كجماعة تيسير الحج والعمرة، فمن الخطأ أن أقول له: أنت مرتكب محرم وقد يكون القائل ضمن جماعة تريد أن تتعاون على إقامة واجب من الواجبات وتيسيره على الناس، كجماعة تحفيظ القرآن الكريم مثلاً، فالجماعة تهدف إلى إقامة هذا الأمر المشروع، وأخرى تريد الدعوة إلى الله عز وجل، وأخرى تريد الجهاد في سبيل الله بشروطه الشرعية، وإلا فليس كل من تسمى بالمجاهد أو بجماعة الجهاد يكون مجاهداً، ولا كذلك من انتسب إلى جماعة الدعوة يكون داعياً، ولا حتى من انتسب إلى السلفية يلزم أن يكون سلفياً فالانتساب نفسه ليس بمحرم بل قد يكون محتاجاً إليه، كأن يقول: أنا من أهل السنة والجماعة أنا من أهل الحديث أو نحو ذلك؛ ليبين منهجه الصحيح، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما لحظ بداية ظهور دعوى الجاهلية بين المهاجرين والأنصار لم يعالجه -كما يحاول البعض أن يفعل الآن- بتحريم الانتساب إلى هذه الأسماء، وأمرهم بإلغاء الأسماء مثلما يقول البعض، بل قد يترتب على قوله إلغاء الاجتماع على الطاعة، وهذا علاج غير مقبول وهو أشر العلاجين، فلو قال أحدهم: نحن سنلغي الأسماء، مع العلم أن المشكلة ليست إلغاء الأسماء، بل إن البعض فرض الأسماء وإن كان بعض المشايخ لا يوافقونهم ونحن لا نوافق على فرضية ذلك وهذا غير لازم بل هذا لتمييز منهج أهل السنة، ولكن الأمر ليس بمحرم.

فليس العلاج بإلغاء الأسماء ولا العلاج قطعاً بإلغاء التجمعات الإسلامية التي تريد إقامة الواجبات الشرعية، بل العلاج بتحذيرهم من حقيقة دعوى الجاهلية وهي الانتصار للأسماء دون معرفة الحق، وهذه هي التربية الواجبة التي يجب أن يتربى عليها أبناء الصحوة جميعاً، ولا يزال العلماء ينتسبون إلى بلادهم كالمدني والمصري والخرساني والنووي والعسقلاني، وإلى مذاهب أئمتهم كالشافعي والمالكي والحنبلي والحنفي، ولم ينكر العلماء التسمية ولم يحرموها حتى بعد ظهور العصبية، بل تُحارب العصبية بدون تحريم ما أحله الله، وبدون تحريم شيء لم يرد في الشرع تحريمه، فلو احتج أحدهم على تحريم التسمي والانتساب بأن العصبية مذمومة، نقول له: ومن قال لك: إن التسمي عصبية بل إن السلف على مدى حياتهم انتسبوا وكانوا يحرمون العصبية، ولم يفسروا الانتساب والتسمي على أنه عصبية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015