من القواعد الكلية المتفق عليها بين أهل السنة: الحرص على الألفة والاجتماع، والنهي عن التفرق والاختلاف، ولذا سمي أهل السنة بالجماعة؛ لأنهم يأمرون بالاجتماع على ما كانت عليه الجماعة الأولى، وهي جماعة الصحابة رضي الله عنهم ومن كان بعدهم على ما كانوا عليه.
فالواجب الشرعي أن نسعى إلى التوحد والاجتماع على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بفهم وتطبيق الخلفاء الراشدين، وهذا هو المستفاد من قوله: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ).
إذاً: سنته صلى الله عليه وسلم لابد أن تطبق بطريقة معينة، وكذا القرآن لا بد أن يطبق بفهم معين وطريقة معينة، وهو ما سنه الخلفاء الراشدون، فإنهم لم يسنوا بدعاً، ولم يسنوا رأياً لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما فهموا الكتاب والسنة الفهم الصحيح، فكان تطبيقهم وفهمهم ملزماً لمن أتى بعدهم.
فالواجب الشرعي أن نسعى للتوحد والاجتماع على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بفهم وتطبيق الخلفاء الراشدين ومن معهم من الصحابة رضي الله عنهم، وأن نحارب البدع والأهواء المفرقة للأمة، كما قال: (وإياكم ومحدثات الأمور).
نحاربها حتى يقل أنصارها وأتباعها أو ينعدموا في مكاننا، فوجود الفرق الضالة لا يعني بالضرورة وجودها في كل زمان ومكان، ولا يلزم أن يكون أتباعها هم الأكثر، وقد اعترض البعض على متن حديث افتراق الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، ومنهم الإمام الشوكاني حيث رد هذا الحديث، وقال: هذا الحديث منكر المتن، لأن معناه: أن أكثر الأمة في النار، وهذا ينفر عن الإسلام.
وكلامه غير صحيح.
وقال البعض: إنه يقتضي أن تكون هذه الأمة وهي خير أمة أخرجت للناس أكثرها من أهل النار، وهذا باطل بلا شك، فلا يلزم من تعدد الفرق أن يكون أتباعها أكثر الأمة، بل بحمد الله أكثر الأمة على الخير والإيمان والتوحيد في جملة العصور، وكون الفساد ينتشر في زمن ما أو في بلد ما لا يعني أن هذا هو الأصل، لذلك نقول: إن كثرة عدد الفرق النارية لا يلزم منه كثرة الأتباع، فمن الممكن أن يكثروا في زمن معين كما حدث في زمن دولة بني عبيد الذين يسمون الفاطميين، أو الخوارج ربما يكثروا في وقت معين، ولكن لا يلزم أن يكون هو الغالب والأعم في كل وقت.
فاليأس من الاجتماع من وسوسة الشيطان وعمله؛ لأنه يصد المسلمين عن العمل الواجب عليهم شرعاً بالبعد عن أسباب الاختلاف والتباغض، والأخذ بأسباب الاجتماع والتآلف.
خلاصة الأمر الأول: أن الاختلاف أمر قدري كوني منه المذموم شرعاً الذي يجب علينا أن نحذر منه، وأن نأخذ بأسباب الاجتماع على الوحي المنزل من عند الله، وعلى الأدلة الواضحات البينات التي هي من عند الله سبحانه وتعالى، وأن نجتهد في محاربة البدع حتى ينعدم أنصارها أو يقل عددهم، هذا هو الأمر الواجب شرعاً، ووقوع الأمر القدري الكوني لا يلزم أن يكون هو الغالب الأعم كما ذكرنا.