ومعرفة هذه الأسباب ضرورية في إدراك التعامل الصحيح مع هذا الاختلاف؛ لأن البعض يسعى إلى إعدام هذا الاختلاف، ولما نجد أن الأسباب هذه لا يمكن إعدامها، يبقى أن نتأكد أن إعدام الخلاف مستحيل أيضاً، وبالتالي فلا نقول: إنه من أجل أن نصل إلى منهج صحيح للعمل للإسلام أو فهم الإسلام والعمل به فلا بد أن نعدم الاختلاف في كل المسائل وأن يلغى ذلك الاختلاف، فلو استوعبنا أن الخلاف هذه أسبابه، فلنعلم أن الناس يتفاوتون في الفهم، وأن قدرتهم على الاجتهاد وقدرتهم على الاستنباط أيضاً لن تكون واحدة، وكذلك أدلة الشرع نفسها لن نستطيع أن نجعلها كلها نوعاً واحداً، حتى بعد تصحيح ما صح وتضعيف ما ضعف.
فالمدارس مختلفة في الاستنباط ولا يمكن إلغاؤها، وبالتالي فلا بد أن نحتمل مثل هذا الاختلاف، والسعي إلى إلغائه مصادمة للواقع والفطرة، بالإضافة إلى اتفاق الصحابة رضي الله عنهم؛ لأنهم لما حصل منهم الاختلاف ما قالوا: لا بد أن ينعدم الخلاف، ولا بد أن نعمل لقاءً لأهل بدر وبيعة الرضوان حتى ننهي الاختلاف، كل هذا لم يحصل، فهم اختلفوا، لكنهم اختلفوا في رضوان الله سبحانه وتعالى، وهكذا أصحاب المذاهب أيضاً؛ فهذا الإمام مالك كره أن يحمل الناس على الموطأ لما أراد أبو جعفر المنصور أن يحمل الناس عليه.
فإذا علمنا أن هذه الأسباب لا يمكن إزالتها عرفنا أن الاجتهاد في معرفة الصحيح من مسائل الاختلاف وأن يرجح البعض من أهل العلم فيها ما وصل إلى فهمه وعلمه من أدلة وبحسب قدرته على النظر والبحث والاجتهاد علمنا أنه لن يلغي اجتهاد غيره.