الملاحظة الثانية: أن قوله كون المسألة قطعية أو ظنية من الأمور الإضافية، لا يعني به أن كل المسائل يمكن يكون فيها هذه الإضافة، وكلمة إضافي، يعني: يأتي شخص في مسألة ويقول لك: هذه وجهة نظرك.
فالبعض يمكن أن يأخذ الكلام ويقول: لا يوجد شيء قطعي في الدين قط؛ وهذا مثل إنكار بعض المبتدعة والزنادقة كل المسائل التي هي معلومة من الدين بالضرورة، فيقولون: هذا عندكم أنتم، ولا يوجد شيء قطعي في الدين وهذا بمنظارهم؛ لأن هذا أمر إضافي، أي: أنه بالنسبة إلي أنا قطعي وبالنسبة إليك أنت ليس بقطعي.
وابن تيمية قطعاً لا يجزم بذلك؛ بدليل أنه يقول في كلامه: إنه يمكن أن يكون تارك الصوم والصلاة كافر بالاتفاق.
إذاً: الكلام ليس على إطلاقه، فنقول: هناك مسائل يذكر رحمه الله أنها قطعية، ويكفر المخالف لها، كما ذكر هنا الاتفاق على تكفير منكر الصلاة والصيام ونحوها.
وهناك بعض المسائل التي قد تكون كذلك بهذه الطريقة قطعية عند البعض وظنية عند البعض الآخر، كما يذكر عن الإجماع: هل هو حجة قطعية أم ظنية؟ فنقول: الصحيح أن قطعيه قطعي وظنيه ظني.
والإجماع نوعان: النوع الأول: إجماع معلوم من الدين بالضرورة، فهذا إجماع قطعي وحجته قطعية والمخالف له كافر، مثل: وجوب الصلوات الخمس وصوم رمضان، ووجوب الإيمان بالله وحده لا شريك له، ووجوب الإيمان بالملائكة إجمالاً.
النوع الثاني: إجماع ظني، مثل إجماع العلماء على أن تحديد قدر من الدراهم معدودة لأحد الشريكين أو للمضارب باطل ولا يجوز.
فهذا إجماع ظني وبحجة ظنية، لكنه إجماع صحيح فعلاً.
ولو قلنا: أجمع العلماء على نجاسة الدم، وعلى إباحة الذهب بأنواعه للنساء، فهذا عند الشيخ الألباني ليس إجماعاً ولا حجة أصلاً، وأنا أقول وأعتقد وأجزم أنه إجماع، وهذا ليس معلوماً من الدين بالضرورة، فالإجماع هذا حجة ظنية، وأنا أخطئ من يخالفه، فالذي يقول: إن الذهب المحلق حرام على النساء أقول له: هذا الكلام بدعة منكرة مخالف للإجماع.
والذي يقول: إن الدم ليس نجساً، أقول: إنه مخالف للإجماع.
لكن لا أقول للذي يقول هذا القول: أنت ضال، وإنما أقول: هذا القول بدعة، وأعذره.