الإنكار في مسائل الخلاف غير السائغ

ومسألة الإنكار في مسائل الخلاف غير السائغ هي مسألة مهمة جداً؛ لأن كثيراً من العلماء ممن تكلم في شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد أطلق أن من شروط إنكار المنكر أن يكون المنكر غير مختلف فيه، وربما قال بعضهم: ألا يكون منكراً في مذهب فاعله -هذا كلام الغزالي، يقول: لو كان مذهبه أن هذا ليس منكراً فلا ينكر عليه- وهذا الإطلاق رغم وجوده في كلام هؤلاء العلماء أنفسهم وغيرهم إلا أن في تطبيقاتهم وأمثلتهم ما يقيده.

فـ الغزالي مثلاً يعد في إنكار المنكر تكسير آلات اللهو وهو يعرف أن فيها خلافاً، إذاً لم يقول: ألا يكون منكراً في مذهب فاعله، أو يكون غير مختلف فيه؟ وما قصده بهذا وهو يجوز تكسير آلات اللهو؟ هذا دليل على أن الخلاف عنده هو ما يخالف النص من الكتاب والسنة أو الإجماع أو القياس الجلي يرد فيه، وكذلك هو كلام الإمام النووي حيث يقول: ومن شرط المنكر أن يكون غير مختلف فيه، ثم يقول بعد ذلك: إلا أن يخالف نصاً من الكتاب والسنة أو الإجماع أو القياس الجلي.

فبعض الجماعات والاتجاهات جعلت هذا الكلام على إطلاقه حجة في إنكار مشروعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أي أمر خلافي دون اعتبار لنوع الخلاف، ولهذا كان بيان هذه المسألة، وهو مشروعية الإنكار في مسائل الخلاف غير السائغ بالأدلة وكلام أهل العلم من الأمور المهمة للدعوة والدعاة خاصة في هذه الأزمان التي تكلم فيها الزنديق بلسان الصديق، وصارت كل الأمور حتى البديهية والمجمع عليها محل خلاف عند طائفة من المنتسبين إلى الملة بل إلى العلم والعلماء أحياناً كثيرةً -فالربا خلاف سائغ، وبيع الخمر خلاف سائغ، والتوسل خلاف سائغ، ثم يصبح كل خلاف سائغاً لا أحد ينكر فيه، ويترتب على ذلك تضييع الدين -فنبدأ أولاً بذكر الأدلة وبيان طريقة الصحابة رضي الله عنهم، ثم نوضح كلام العلماء الذين احتج البعض بأقوالهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015