وشيء آخر ترجّحت بفكري في طيّه ونشره، فرأيت طيّه خَمْشاً لوجه النّصيحة، وذكره بالإطالة فتحاً لباب الفضيحة، فذكرته مختصراً؛ فقد يُفهم من الكلام القصير المعنى العريض الطويل، وهو حديث المائدة والطّبق، وما يُحضر للأكل ويُجمع عليه الرَّقيع والوضيع، والنَّزِه والجشع، فجدِّد الاهتمام بذلك، فإن القالة فيه طائرة، والحال فيه دائرة، والحاجة إلى التّحزُّم فيه ماسّة، والتّغافل عنه مجلبة للذمّ؛ وقد رأينا قوماً كراماً تهاونوا في هذا الباب، إما رفعاً لأنفسهم عنه، وإما شغلاً بمهمّاتٍ أُخر دونه، فأكَلَتهم الألسنة، وأعلقتهم الملامة، وأحوجتهم إلى الاعتذار الطّويل بالاحتجاج الكثير. والكرم والمجد لا يثبتان بالدّعوى، ولا يُسلمان بالحجّة، ولكن يشيعان بالفعل الذي نُطقه كالوحي في الحال التي تنتصب للعين، ولا يُؤنَفنّ من ضَعَة الأكَلَة، فإن لؤم الأكلة دليل ناصع على كرم المُطعِم.
وهذا باب يزلُّ فيه الرئيس ويظلم فيه الخدم؛ فإن الرئيس لا يقدر على أن يتولّى كل ذلك بنفسه فيراعيه بلحظه ولفظه، إلا أنه متى أحكم الأساس فقد أمن الباس، وأرضى جمهور الناس.