وهذا ظلم. لأن الله تعالى جعل لكل شيء قدراً، وأظهر له خطراً. وكل متاع وثمنه، وكل بَدَن وسمنه، والمتناهي كان في الأول مُبتدئاً، ثم في الثاني متوسِّطاً، ثم في الثالث الذي لا رابع له؛ وقاصدوك بفضائلهم كالعارضين عليك بأمتعتهم، وأنت تشتري كل متاع بقيمته وتعدِّله ببدَله. فهكذا ينبغي أن تفعل بأبناء الأمل وأصحاب العمل؛ فليس يجمل أن يحظى بصلتك وبرّك وجائزتك ونظرك أبو سعيد السيرافي، وأبو سليمان السجسْتاني، وعلي بن عيسى الرُّمَّانيّ، وأصحاب القلانس، ويحرم بعض ذلك فلان وفلان ممن ليس لهم سمع هؤلاء ولا حالهم، على أنك قادر على إلحاق الصغار بالكبار بالاصطناع والتفضُّل؛ فإن الرجال هكذا يتلاحقون، وفي حلبة الرؤساء يتسابقون.
فكُن سبباً للسّاكت حتى ينطق، وعلّة للسّاكن حتى يتحرّك، وباباً للنّائم حتى يستيقظ، وطريقاً للخامل حتى ينتبه، وجداً سعيداً للميت حتى يحيا؛ فأما من عدا هذه الطبقة فقد سلف له بغيرك ما هو أشكر، وبه أبصَر وله أنصَر؛ على أنك إذا عممت الجميع بالخير كنت أشدّ اقتداءً بالله، وأجنحهم إلى هُدى أنبياء الله، وآخذهم بعادة خلفاء الله.