بكل عرض يملكونه، حتى إنهم لا يُفرجون عن شيء إلا بمشقة شديدة، ولا يجدون ألم الشُّح والبخل، ولا يأنفون من عارهما؛ وطلبنا العلّة في ذلك مع ما يقتضيه مذهبهم من الزُّهد والبذل والإيثار والتكرُّم، فوجدناها في آثار النجوم والنظر في دلالتها؛ وذلك أن الذي يدلّ على علم الحقائق والغَوْص فيها، واستيفاء الفكر فيها زُحل مع عطارد بالاشتراك. وزحل يوجب مع شهادته الأُولى الحَصرَ والحَسَد والضّيق والبُخْل؛ لأن البخل يكون من جهة الخوف من الفقر، وزحل يوجب عجز النفس، وخُضوعاً عند الحاجات، وإشفاقاً على الفائت لعُسر آثار زُحَل وكثرة تغيُّر أحوال عطارد.
قال: وهذه الدلالة موافقة لما في الطبيعيات، وذلك أن البرد واليبس، من آثار زحل، يوجبان عوارض السَّوداء؛ وأخلاق النفس تابعة بالنظر الأول لمزاج البدن، فلذلك يستحيل إليه، وكذلك حال عطارد في خصوصيته باليُبس، ولأن الحرارة معدومة في زحل وعطارد، والسَّخاء من جنس الشّجاعة المُشاكلة لقوة الحرارة، والبخل من جنس الجُبن المشاكل لقوة اليبس الذي يوجب العجز وضيق الصدر والخوف في الحاجات.