بعد مدة حمل خبال وبطر الرّاحة وأشر النّعمة كفّار أنطالية على أن يضربوا كأس العهد والميثاق بحجر التمرّد والعصيان، فأخرجوا رؤوسهم- كيهود خيبر- من ربقة الطاعة وأقدامهم من دائرة الاستقامة، ونفروا من رعاية حقوق دولة السلطنة فلبسوا السلاح، وفي جوف الليل- وبسبب ما وقع من لبس- كبس كل جماعة منهم حاكما من الحكّام، وجعلوا الشّريف والوضيع والكبير والرّضيع جرحى وقتلى لسيف الانتقام. وشغلوا حتى استولى الفلق على الغسق بإجراء الدّماء أنهارا من أبدان الحكّام صوب البحر، فما حلّ الصّباح إلا وكانت أرواح الشّهداء قد وجدت الأنس برياض القدس.
وبعد ثلاثة أيام بلغ الخبر مسامع السلطان، فظهر تغيّر عظيم في باطنه المبارك، ووقّع في الحال الأوامر باستدعاء واستحضار العساكر والأمراء، وأرسلها بيد الرّسل المسرعين إلى كافة الممالك، فلا غرو أن حلّت بصحارى قونية أعداد رجال كحبّات الرّمان، ونصب الدّهليز المبارك بصحراء «روزبه» بنيّة فتح أنطالية بفأل اليمن وطالع السّعد، وساروا في اليوم التالي.
أما الرّوم من أهل أنطالية فقد تحقق فيهم عند ذاك قول الحق تعالى:
وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ (?)، فتوسّلوا- بسبب الاضطرار والمحنة- بملوك الفرنج، فسارعوا بشحن بضعة سفن بالمحاربين وأرسلوها لمددهم، فلما شاهد الفجرة من فوق السور ما أتاهم من مدد فوق سطح البحر/ دقّوا طبول البشائر وتغنّوا بلحن السعادة بالوتر السفلي لورود أولئك الذين هم حطب جهنّم،