بمالك الملك قائلا: لن أجلس من وقوف حتى أحصل لكم على أموالكم. فلقد ذقت مرارة الغربة، ورأيت نكاية الظالمين [شعر]:
- أنا أعلم بما بكم أيها المساكين، ... فما كانت قلنسوتي إلا من هذا النسيج.
ثم أصدر الأوامر لأطراف الممالك لدعوة الجند، فتجمّع جند كثيرون في أقل مدة، فولّى وجهه نحو ديار الكفار بجيش جرّار مؤيدا بفضل الخالق. وبعد أن طوى بضعة مراحل معدودة، وصل/ إلى تلك الحدود، فأحاط بدائرة أنطالية من كل صوب جنود لديهم من القدرة والشجاعة ما يمكّنهم من الدخول إلى فم الأسد عند اقتحام المهالك وكأنّهم دائرة السّوء، ونصبوا المجانيق، وظلّوا شهرين متتاليين يقارعون ويحاصرون من الفجر حتى العشاء.
ولأن رجال السور لم يتسرب إليهم أي نوع من الفتور، أمر السلطان بالبدء في الرمي بالسهم والقوس عوضا عن الرّمح والسّيف، وأن لا يجعلوا فرنجيا يأمن أن يتمكن من أن يلقي نظرة على مغاوير القتال من شرفات القلعة، وأن يباشر الأبطال المجرّبون الحرب، وأن ينصبوا السّلالم على القلعة، ويتبين منهم عيار الرجولة على محكّ الامتحان.
وحين بلغ هذا الأمر مسامع كتائب الجند ثاروا دفعة واحدة كأنهم الجراد والنّمل، وفي أقل من ساعة واحدة نصب على كل بدن من السلالم ما كان قرينا لأوج الفلك من فرط الطّول. وكان أول من وضع قدم الصدق وحقّق الظفر رجلا يدعى حسام الدين يولق ارسلان من جند قونية القدماء، فقد قفز بسفيه ومغفره ورداء القتال الذي يرتديه على قلعة من الحجارة كأنه النّمر،