العجز والدّهشة لازدحام النّفوس الشّهيدة، وضاق الجوّ بأفواج الأرواح المفارقة- التي سقطت من المغاربة والمشارقة في تلك الملحمة- كضيق القلوب الولهانة للعشّاق، وضيق صدر البخيل. وقام جند السلطان/ حامدين ذاكرين الله في ذلك المقام، وأرسلوا رجلا لإعلام الحضرة السلطانية بالأحوال، وكان الرّكاب السّلطاني نفسه قد تحرّك، وسارت الجيوش المنصورة وهي تحمد الخالق، فأقبلت على أيمن طائر إلى بلاط الملك المستولي على العالم، وعلم أن الخوارزميين كانوا قد أثخنوا بالجراح في معترك المنايا.

وألقت الحيرة والاضطراب خوارزمشاه في الضّيق والحرج فأخذ يحترق كالشمع من الحرقة، ويعزو تلك النّكبات إلى نفثات «الأرزرومي» وسوء تدبيره وشؤمه. فوسوس إليه «الأرزرومي» حينذاك قائلا: اقبض على أولئك الذين وصلوا هاربين مع قادة آخرين، وانزع أرواحهم بالسّيف البتّار لكي يثبت من تبقّوا في الحرب ثبات الصخور، ولا يسع الخصم التحرّك، وتصدق عليه صفة «وقذف في قلوبهم الرّعب».

فبادر بالقبض على سبعمائة رجل حرّ بريء من جيشه، ووضع الأغلال في أعناقهم، وأمر بضرب رقابهم جميعا. وسوف يبقى هذا إلى يوم الحساب بمثابة خزي وشنار، وإثم وعار، فقد لزم ما قاله ذلك الغدّار أسود القلب، وكان أعدى أعداء نفسه في ذلك الأمر.

***

طور بواسطة نورين ميديا © 2015